فصل: باب الإحصار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


تابع باب الجنايات

‏(‏قوله في سبع‏)‏ أي غير صائل كما مر، أما الصائل فلا شيء في قتله كما سيأتي ‏(‏قوله أي حيوان لا يؤكل‏)‏ تفسير مراد، وإلا فالسبع أخص كما علمت من تفسيره الذي قدمناه، ولا بد من زيادة‏:‏ وليس من الفواسق السبعة والحشرات كما مر ‏(‏قوله على قيمة شاة‏)‏ المراد بها هنا أدنى ما يجزئ في الهدي والأضحية‏:‏ وهو الجذع من الضأن بحر ‏(‏قوله أكبر منها‏)‏ الأولى أكثر قيمة منها لأن ما ذكره إنما يناسب قول محمد باعتبار المثل صورة ‏(‏قوله ليس إلا بإراقة الدم‏)‏ أي دون اللحم لأنه غير مأكول‏.‏ أما مأكول اللحم ففيه فساد اللحم أيضا فتجب قيمته بالغة ما بلغت نهر عن الخانية ‏(‏قوله وكذا‏)‏ أي كما أنه لا يزاد على قيمة الشاة وإن كان السبع أكثر قيمة منها، فكذا لو كان معلما لا يضمن ما زاد بالتعليم لحق الله تعالى، أما لو كان مملوكا فيضمن قيمة ثانية لمالكه معلما، وقيد بالتعليم لأنه يضمن لحق الله تعالى أيضا زيادة الوصف الخلقي كالحسن والملاحة كما في الحمامة المطوقة كما مر ‏(‏قوله ثم له أي للقاتل إلخ‏)‏ وقيل الخيار للعدلين، وله أن يجمع بين الثلاثة في جزاء صيد واحد، بأن بلغت قيمته هدايا متعددة فذبح هدايا وأطعم عن هدي وصام عن آخر، وكذا لو بلغت هديين، إن شاء ذبحهما أو تصدق بهما أو صام عنهما أو ذبح أحدهما وأدى بالآخر أي الكفارات شاة أو جمع بين الثلاثة، ولو بلغت قيمته بدنة، إن شاء اشتراها أو اشترى سبع شياه، والأول أفضل، وإن فضل شيء من القيمة إن شاء اشترى به هديا آخر إن بلغه أو صرفه إلى الطعام أو صام وتمامه في اللباب وشرحه ‏(‏قوله ويذبحه بمكة‏)‏ أي بالحرم، والمراد من الكعبة في الآية الحرم كما قال المفسرون نهر؛ فلو ذبحه في الحل لا يجزيه عن الهدي بل عن الإطعام، فيشترط فيه ما يشترط في الإطعام‏.‏ وأفاد بالذبح أن المراد التقرب بالإراقة فلو سرق بعده أجزأه لا لو تصدق به حيا، ولو أكله بعد ذبحه غرمه ويجوز التصدق بكل لحمه أو بما غرمه من قيمة أكله على مسكين واحد بحر ‏(‏قوله ولو ذميا‏)‏ تقدم في المصرف أن المفتى به قول الثاني إنه لا يصح دفع الواجبات إليه ‏(‏قوله نصف صاع‏)‏ حال أو مفعول لفعل محذوف‏:‏ أي وأعطى لأن تصدق لا يتعدى بنفسه إلا أن يضمن معنى قسم مثلا ‏(‏قوله كالفطرة‏)‏ الظاهر أن التشبيه إنما هو في المقدار لا غير كما جرى عليه الزيلعي وغيره، فلا يرد ما في البحر من أن الإباحة هنا كافية كما سيأتي أفاده في النهر ‏(‏قوله أو أكثر‏)‏ كأن يكون الواجب ثلاث صيعان مثلا دفعها إلى مسكينين‏.‏ وكذا لو دفع الكل إلى واحد لكنه سيأتي التصريح به فافهم ‏(‏قوله بل يكون تطوعا‏)‏ أي يكون الجميع في صورة الأقل والزائد على نصف صاع كل مسكين في صورة الأكثر تطوعا ح ‏(‏قوله أو صام‏)‏ أطلق فيه وفي الإطعام‏.‏ فدل أنهما يجوزان في الحل والحرم ومتفرقا ومتتابعا لإطلاق النص فيهما بحر ‏(‏قوله أقل منه‏)‏ بأن قتل يربوعا أو عصفورا فهو مخير أيضا بحر ‏(‏قوله تصدق به‏)‏ أي على غير الذين أعطاهم أولا شرح اللباب‏.‏

‏(‏قوله ولا يجوز إلخ‏)‏ تكرار مع قوله لا أقل منه ‏(‏قوله قال المصنف تبعا للبحر إلخ‏)‏ عبارة البحر‏:‏ وقد حققنا في باب صدقة الفطر أنه يجوز أن يفرق نصف الصاع على مساكين على المذهب، وأن القائل بالمنع الكرخي، فينبغي أن يكون كذلك هنا، والنص هنا مطلق فيجري على إطلاقه، لكن لا يجوز أن يعطي لمسكين واحد كالفطرة لأن العدد منصوص عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله اختيار الجواز إذا فرق نصف صاع على مساكين لإطلاق النص وقياسا على الفطرة، إلا إذا أعطى كل الواجب لمسكين واحد لتفويت العدد المنصوص في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏طعام مساكين‏}‏ لكن لا يخفى أن جواز التفريق مخالف لعامة كتب المذهب‏.‏ على أن إطلاق النص يحمل على المعهود في الشرع وهو دفع نصف الصاع لفقير واحد تأمل ‏(‏قوله وتكفي الإباحة هنا‏)‏ أي بخلاف الفطرة كما مر‏.‏ قال في شرح اللباب‏:‏ وهذا عند أبي يوسف، خلافا لمحمد‏.‏ وعن أبي حنيفة روايتان‏.‏ والأصح أنه مع الأول، لكن هذا الخلاف في كفارة الحلق عن الأذى‏.‏ وأما كفارة الصيد فيجوز الإطعام على وجه الإباحة بلا خلاف، فيصنع لهم طعاما بقدر الواجب ويمكنهم منه حتى يستوفوا أكلتين مشبعتين غداء وعشاء‏.‏ وإن غداهم وأعطاهم قيمة العشاء أو بالعكس جاز‏.‏ والمستحب كونه مأدوما، ولا يشترط الإدام في خبز البر‏.‏ واختلف في غيره، وتمامه فيه‏.‏ وانظر لو لم يستوفوا الأكلتين بما صنع لهم من القدر الواجب هل يلزمه أن يزيد إلى أن يشبعوا والظاهر نعم تأمل ‏(‏قوله كدفع القيمة‏)‏ فيدفع لكل مسكين قيمة نصف صاع من بر، ولا يجوز النقص عنها كما في العين بحر، لكن لا يجوز أداء المنصوص عليه بعضه عن بعض باعتبار القيمة؛ حتى لو أدى نصف صاع من حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط أو أدى نصف صاع من تمر تبلغ قيمته نصف صاع من بر أو أكثر لا يعتبر، بل يقع عن نفسه ويلزمه تكميل الباقي شرح اللباب‏.‏ قلت‏:‏ والمنصوص هو البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب، بخلاف نحو الذرة والماش والعدس فلا يجوز إلا باعتبار القيمة، وكذا الخبز، فلا يجوز مقدار وزن نصف صاع في الصحيح كما في شرح اللباب ‏(‏قوله ولا أن يدفع إلخ‏)‏ قال في شرح اللباب‏:‏ ولو دفع طعام ستة مساكين إلى مسكين واحد في يوم دفعة واحدة أو دفعات فلا رواية فيه‏.‏ واختلف المشايخ فيه‏.‏ وعامتهم لا يجوز إلا عن واحد وعليه الفتوى‏.‏ ا هـ‏.‏ واحترز بقوله في يوم عما لو دفع إلى واحد في ستة أيام كل يوم نصف صاع فإنه يجزئه عندنا كما صرح به قبله‏.‏ ولا يخفى أن المسكين الواحد غير قيد، حتى لو دفع الكل إلى مسكينين يكفي عن اثنين فقط والباقي تطوع كما مر في قوله أو أكثر منه ‏(‏قوله إلى من لا تقبل شهادته له‏)‏ عدل في البحر عن تعبيرهم بهذا إلى التعبير بقوله إلى أصله إلخ وقال إنه الأولى، فلذا تبعه المصنف، لكن خالفه الشارح لأنه أحضر وأظهر لشموله مملوكه، ولا يرد النقض بالشريك لأنه إنما لا تقبل شهادته له فيما هو مشترك بينهما لا مطلقا فافهم ‏(‏قوله وهذا‏)‏ أي عدم جواز الدفع إلى أصله إلخ قوله كما مر في المصرف‏)‏ أي في باب مصرف الزكاة وغيرها حيث قال ولا إلى من بينهما أولاد أو زوجية إلخ فذكر ذلك في ذلك الباب صريح في أنه الحكم في كل صدقة واجبة فافهم‏.‏

‏(‏قوله ووجب بجرحه‏)‏ أفاد بذكره بعد ذكر القتل أنه لم يمت منه، فلو غاب ولم يعلم موته ولا حياته فالاستحسان أن يلزمه جميع القيمة احتياطا، كمن أخذ صيدا من الحرم ثم أرسله ولا يدري أدخل الحرم أم لا محيط؛ ولو برئ من الجرح ولم يبق له أثر لا يسقط الجزاء بدائع‏.‏ وفي المحيط خلافه واستظهر في البحر الأول، ومشى في اللباب على الثاني، وقواه في النهر ‏(‏قوله ما نقص‏)‏ فيقوم صحيحا ثم ناقصا، فيشتري بما بين القيمتين هدايا أو يصوم ط عن القهستاني‏.‏ قال‏:‏ وهذا لو لم يخرجه الجرح ونحوه عن حيز الامتناع وإلا ضمن كل القيمة ا هـ‏.‏ ولو لم يكفر حتى قتله ضمن قيمته فقط وسقط نقصان الجراحة كما حققه في الفتح تبعا للبدائع على خلاف ما في البحر عن المحيط، وتمامه فيما علقته عليه ‏(‏قوله حتى خرج عن حيز الامتناع‏)‏ عبر تبعا للدرر بحرف الغاية دون التعليل لأن المراد بالريش والقوائم جنسهما الصادق بالقليل منهما، إذ لا شك أنه لا يشترط في لزوم كل القيمة نتف كل الريش وقطع كل القوائم، بل المراد ما يخرجه عن حيز الامتناع‏:‏ أي عن أن يبقى ممتنعا بنفسه فافهم‏.‏ والحيز كما في الصحاح‏:‏ بمعنى الناحية، فهو هنا مقحم كما في القهستاني، فهو كظهر في قولهم ظهر الغيب، ولا وجه للقول بأنه من إضافة المشبه به للمشبه فافهم ‏(‏قوله غير المذر‏)‏ بكسر الذال بمعنى الفاسد، قيد به لأنه لو كسر بيضة مذرة لا شيء عليه لأن ضمانها ليس لذاتها بل لعرضية أن تصير صيدا وهو مفقود في الفاسدة ولو كان لقشرها قيمة كبيض النعام خلافا لما قاله الكرماني لأن المحرم غير منهي عن التعرض للقشر كما في الفتح بحر ملخصا ‏(‏قوله وخروج فرخ ميت به‏)‏ معطوف على قوله بنتف‏.‏ قال في اللباب‏:‏ وإن خرج منها‏:‏ أي من البيضة فرخ ميت فعليه قيمة الفرخ حيا ولا شيء في البيضة ا هـ‏.‏ وقوله به متعلق بميت‏.‏ قال في البحر‏:‏ وقيد بقوله به لأنه لو علم موته بغير الكسر فلا ضمان عليه للفرخ لانعدام الإماتة ولا للبيض لعدم العرضية ا هـ‏.‏ ولو لم يعلم أن موته بسبب الكسر أو لا فالقياس أن لا يغرم غير البيضة لأن حياة الفرخ غير معلومة‏.‏ وفي الاستحسان‏:‏ عليه قيمة الفرخ حيا عناية‏.‏

‏(‏قوله وذبح حلال صيد الحرم‏)‏ سيعيد المصنف هذه المسألة، ونتكلم عليها هناك ‏(‏قوله وحلبه لبنه‏)‏ لأن اللبن من أجزاء الصيد فتجب قيمته كما صرح به في النقاية والملتقى، وكذا لو كسر بيضه أو جرحه يضمن كما في البحر‏.‏ ثم إن ذكر الشارح المفعول وهو لبنه يفيد أن الحلب مصدر مضاف إلى ضمير الفاعل وهو الحلال مع أنه غير قيد فلو ترك ذكر لبنه وجعل المصدر مضافا إلى ضمير المفعول وهو الصيد لكان أولى لأنه يشمل حينئذ ما إذا كان الحالب محرما لكنه لا يختص بصيد الحرم تأمل ‏(‏قوله وقطع حشيشه وشجره‏)‏ ذكر النووي عن أهل اللغة أن العشب والخلا بالقصر اسم للرطب والحشيش لليابس، وأن الفقهاء يطلقون الحشيش على الرطب أيضا مجازا باعتبار ما يئول إليه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الفتح‏:‏ والشجر اسم للقائم الذي بحيث ينمو فإذا جف فهو حطب‏.‏ ا هـ‏.‏ وأطلق في القاطع فشمل الحلال والمحرم، وقيد بالقطع لأنه ليس في المقلوع ضمان، وأشار بضمان قيمته إلى أنه لا مدخل للصوم هنا، وإلى أنه يملكه بأداء الضمان كما في حقوق العباد‏.‏ ويكره الانتفاع به بيعا وغيره، ولا يكره للمشتري، وتمامه في البحر ‏(‏قوله غير مملوك ولا منبت‏)‏‏.‏ اعلم أن النابت في الحرم إما جاف أو منكسر أو إذخر أو غيرها، والثلاثة الأول مستثناة من الضمان كما يأتي‏.‏ وغيرها إما أن يكون أنبته الناس أو لا، والأول لا شيء فيه، سواء كان من جنس ما ينبته الناس كالزرع أو لا كأم غيلان‏.‏ والثاني إن كان من جنس ما ينبتونه فكذلك وإلا ففيه الجزاء، فما فيه الجزاء هو النابت بنفسه وليس مما يستنبت، ومنكسرا ولا جافا ولا إذخرا كما قرره في البحر‏.‏ وذكر أن المراد من قول الكنز غير مملوك هو النبات بنفسه مملوكا أو لا، لئلا يرد عليه ما لو نبت في ملك رجل ما لا يستنبت كأم غيلان فإنه مضمون أيضا كما نص عليه في المحيط‏.‏ وما أجاب به في النهر لم يظهر لي وجه صحته، فلذا خالف الشارح عادته ولم يتابعه بل تابع البحر ويأتي قريبا في الشرح ‏(‏قوله فقطعها إنسان‏)‏ لم يذكر ما إذا قطعها المالك‏.‏ ونقل في غاية الإتقان عن محمد أنه قال في أم غيلان تنبت في الحرم في أرض رجل ليس لصاحبه قطعه، ولو قطعه فعليه لعنة الله، ومقتضاه أن لا يجب عليه جزاء، لكنه مخالف لما مر من أن كل ما ينبت بنفسه ولم يكن من جنس ما ينبته الناس ففيه القيمة، سواء كان مملوكا أو لا فينبغي أن تلزمه قيمة واحدة لحق الشرع، أفاده نوح أفندي، وصرح في شرح اللباب بضمانه جازما به ‏(‏قوله بناء على قولهما إلخ‏)‏ أما على قول الإمام إن أرض الحرم سوائب‏:‏ أي أوقاف في حكم السوائب، فلا يتصور قولهم لو نبت في ملكه بحر، وعليه فالواجب قيمة واحدة لحق الشرع فقط ‏(‏قوله فلو من جنسه إلخ‏)‏ لأن الذي ينبته الناس غير مستحق للأمن بالإجماع، وما لا ينبتونه عادة إذا أنبتوه التحق بما ينبتونه عادة، فكان مثله بجامع انقطاع كمال النسبة إلى الحرم عند النسبة إلى غيره بالإنبات كما في الهداية والعناية شرنبلالية ‏(‏قوله كمقلوع‏)‏ أي إذا انقلعت شجرة إن كان عروقها لا تسقيها فلا شيء بقطعها لباب ‏(‏قوله ولذا‏)‏ أي لكون الشجر أو الحشيش الذي هو من جنس ما ينبته الناس لا شيء فيه من جزاء لحق الشرع ولا من حرمة ط ‏(‏قوله حل قطع الشجر المثمر‏)‏ أي وإن لم يكن من جنس ما ينبته الناس، لكن إن كان له مالك توقف على إجازته وإلا وجبت قيمته له كما لا يخفى ط ‏(‏قوله لأن إثماره إلخ‏)‏ بدل من قوله ولذا إلخ لأن ما كان من جنس ما ينبته الناس إذا نبت بنفسه إنما لا يجب فيه شيء لأنه بمنزلة ما أنبتوه تأمل‏.‏ ‏(‏قوله قيمته‏)‏ فاعل وجب، وقوله في كل ما ذكر‏:‏ أي قيمة ما أتلفه في كل ما ذكر من المسائل الثمانية، ففي الأوليين والخامسة قيمة الصيد، وفي الثالثة البيض، وفي الرابعة الفرخ، وفي السادسة اللبن، وفي السابعة الحشيش، وفي الثامنة الشجر ‏(‏قوله إلا ما جف أو انكسر‏)‏ أي فلا يضمنه القاطع إلا إذا كان مملوكا فيضمن قيمته لمالكه كما في شرح اللباب، والجاف بالجيم‏:‏ اليابس، وقد مر أنه يسمى حطبا ‏(‏قوله أو ضرب فسطاط‏)‏ أي خيمة، ومثله ما لو ذهب بمشيه أو مشي دوابه كما في اللباب ‏(‏قوله لعدم إمكان الاحتراز عنه لأنه تبع‏)‏ كذا في بعض النسخ، والصواب ذكر قوله لأنه تبع بعد قوله لا لغصنه كما في بعض النسخ ‏(‏قوله والعبرة للأصل إلخ‏)‏ في البحر عن الأجناس الأغصان تابعة لأصلها وذلك على ثلاثة أقسام‏:‏ أحدها أن يكون أصلها في الحرم والأغصان في الحل، فعلى قاطع الأغصان القيمة‏.‏ الثاني عكسه، فلا شيء عليه فيهما‏.‏ الثالث بعض الأصل في الحل وبعضه في الحرم ضمن سواء كان الغصن من جانب الحل أو الحرم ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله والعبرة لمكان الطائر‏)‏ أي لمكانه من الشجرة لا لأصلها لأن الصيد ليس تابعا لها ط ‏(‏قوله بحيث لو وقع الصيد‏)‏ فسر الضمير به مع أن مرجعه الطائر قصدا للتعميم فإن هذا الحكم لا يخص الطير‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله وإلا لا‏)‏ أي لو وقع في الحل فهو من صيد الحل، ولو أخذ الغصن شيئا من الحل والحرم فالعبرة للحرم ترجيحا للحاظر كما يعلم من نظائره ط ‏(‏قوله القائم‏)‏ محترزه ما يذكره من النائم؛ ولو قال والعبرة لقوائم الطير لكان أخصر وأعم لأنه يفيد حكم ما إذا كانت في الحل ط ‏(‏قوله وبعضها ككلها‏)‏ أي لو كان بعض قوائمه في الحرم فهو ككلها فيجب الجزاء‏.‏ قال في شرح اللباب‏:‏ أي من غير نظر إلى الأقل والأكثر من القوائم في الحل أو الحرم، وهذا في القائم لا حاجة إليه مع قوله سابقا القائم ط ‏(‏قوله ولو كان نائما فالعبرة لرأسه‏)‏ مقتضاه أنه لو كان رأسه في الحل فقط فهو من صيد الحل، وبه صرح في السراج، لكن مقتضى قوله فاجتمع المبيح والمحرم أنه من صيد الحرم‏.‏ لأن القاعدة ترجيح المحرم‏.‏ وعبارة البحر كالصريحة فيما قلنا، وكذا قوله في اللباب لو كان مضطجعا في الحل وجزء منه في الحرم فهو من صيد الحرم ورئي قال شارحه القاضي‏:‏ أي جزء كان‏.‏ وقال الكرماني‏:‏ لو مضطجعا في الحل ورأسه في الحرم يضمن لأن العبرة لرأسه وهو موهم أن الجزء المعتبر هو الرأس لا غير وليس كذلك، بل إذا لم يكن مستقرا على قوائمه يكون بمنزلة شيء ملقى، وقد اجتمع فيه الحل والحرمة فيرجح جانب الحرمة احتياطا‏.‏ ففي البدائع‏:‏ إنما تعتبر القوائم في الصيد إذا كان قائما عليها وجميعه إذا كان مضطجعا ا هـ‏.‏ وهو بظاهره كما قال في الغاية يقتضي أن الحل لا يثبت إلا إذا كان جميعه في الحل حالة الاضطجاع وليس كذلك‏.‏ ففي المبسوط‏:‏ إذا كان جزء منه في الحرم حالة النوم فهو من صيد الحرم، والله أعلم ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله والعبرة لحالة الرمي‏)‏ أي المعتبر في الرامي حالة الرمي لا حالة الوصول عند الإمام؛ حتى لو رمى مجوسي إلى صيد فأسلم ثم وصل السهم إليه لا يؤكل؛ ولو رمى مسلم فارتد ثم وصل السهم يؤكل ح عن البحر ‏(‏قوله إلا إذا رماه إلخ‏)‏ أقول‏:‏ قال في اللباب‏:‏ ولو رمى صيدا في الحل فهرب فأصابه السهم في الحرم ضمن، ولو رماه في الحل وأصابه في الحل فدخل الحرم فمات فيه لم يكن عليه الجزاء ولكن لا يحل أكله، ولو كان الرمي في الحل والصيد في الحل إلا أن بينهما قطعة من الحرم فمر فيها السهم لا شيء عليه ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن ما ذكره الشارح هو المسألة الأخيرة كما هو المتبادر مع أنه قد جزم في البحر أيضا بأنه لا شيء فيها من غير حكاية استحسان أو قياس، وإنما حكى ذلك في المسألة الأولى حيث نقل أولا عن الخانية وجوب الجزاء وأنه اختلف كلام المبسوط، ففي موضع لا يجب، وفي موضع يجب، وأن هذه المسألة مستثناة من أصل أبي حنيفة فإن عنده المعتبر حالة الرمي إلا في هذه المسألة خاصة‏.‏ ثم نقل عن البدائع أن الوجوب استحسان وعدمه قياس، ووفق به بين كلامي المبسوط، وكذا صرح القاري عن الكرماني بأنها مستثناة احتياطا في وجوب الضمان وبه ظهر أن الشارح اشتبه عليه إحدى المسألتين بالأخرى، وسبقه إلى ذلك صاحب النهر، ولا يصح حمل كلامه على ما إذا مر السهم في الحرم وأصاب الصيد في الحرم لأنه إن كان الصيد وقت الرمي في الحرم لم تكن المسألة مستثناة من اعتبار حالة الرمي ويكون وجوب الجزاء لا شك فيه قياسا واستحسانا، وما نقله ح عن البحر لم أره فيه وإن كان الصيد وقت الرمي في الحل والإصابة في الحرم يصير قوله ومر السهم في الحرم لا فائدة فيه فافهم‏.‏

‏(‏قوله وجاز بيعه إلخ‏)‏ ومثله لو قطع حشيش الحرم أو شجره وأدى قيمته ملكه، ويكره بيعه قال في الهداية لأن ملكه بسبب محظور شرعا، فلو أطلق له بيعه لتطرق الناس إلى مثله إلا أنه يجوز البيع مع الكراهة بخلاف الصيد ا هـ‏.‏ أي لأنه بيع ميتة ‏(‏قوله لعدم الذكاة‏)‏ علة لجواز أكله وبيعه أي لأنه لا يفتقر إلى الذكاة فلا يصير ميتة ولذا يباح أكله قبل الشيء بحر عن المحيط ‏(‏قوله بخلاف ذبح المحرم‏)‏ أي ذبحه صيد الحل أو الحرم، وقوله أو صيد الحرم عطف على الحرم أي وبخلاف ذبح صيد الحرم من حلال أو محرم، فالمصدر في المعطوف عليه مضاف إلى فاعله وفي المعطوف إلى مفعوله‏.‏ وفي نسخة أو حلال صيد الحرم وهي أحسن، لكن كون ذبح الحلال صيد الحرم ميتة أحد قولين كما ستعرفه‏.‏

‏(‏قوله ولا يرعى حشيشه‏)‏ أي عندهما‏.‏ وجوزه أبو يوسف للضرورة، فإن منع الدواب عنه متعذر، وتمامه في الهداية‏.‏ ونقل بعض المحشين عن البرهان تأييد قوله بما حاصله أن الاحتياج للرعي فوق الاحتياج للآخر‏.‏ وأقرب حد الحرم فوق أربعة أميال؛ ففي خروج الرعاة إليه ثم عودهم قد لا يبقى من النهار وقت تشبع فيه الدواب، وفي قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها» وسكوته عن نفي الرعي إشارة لجوازه وإلا لبينه، ولا مساواة بينهما ليلحق به دلالة إذ القطع فعل العاقل والرعي فعل العجماء وهو جبار، وعليه عمل الناس؛ وليس في النص دلالة على نفي الرعي ليلزم من اعتبار الضرورة معارضته، بخلاف الاحتشاش ا هـ‏.‏ لكن في قوله والرعي فعل العجماء نظر لأنها لو أرتعت بنفسها لا شيء عليه اتفاقا، وإنما الخلاف في إرسالها للرعي وهو مضاف إليه ‏(‏قوله بمنجل‏)‏ كمفصل‏:‏ ما يحصد به الزرع ‏(‏قوله إلا الإذخر‏)‏ بكسر الهمزة والخاء وسكون الذال المعجمتين‏:‏ نبت بمكة طيب الرائحة له قضبان دقاق يسقف بها البيوت بين الخشبات ويسد بها الخلاء في القبور بين اللبنات قهستاني ملخصا‏.‏ ووجه استثنائه في الحديث مذكور في البحر وغيره ‏(‏قوله ولا بأس‏)‏ هي هنا للإباحة لمقابلتها بالحرمة لا لما تركه أولى قاري ‏(‏قوله وبقتل قملة إلخ‏)‏ متعلق بقوله بعده تصدق والمراد بالقتل ما يشمل المباشرة والتسبب القصدي كما أفاده بقوله لتموت احترازا عما لو لم يقصد بإلقاء الثوب القتل، كما لو غسل ثوبه فماتت وكإلقاء الثوب إلقاؤها لأن الموجب إزالتها عن البدن لا خصوص القتل كما في البحر، والمراد بالقملة ما دون الكثير الآتي بيانه، وفصل في اللباب بأن في الواحدة تصدقا بكسرة، وفي الاثنين والثلاث قبضة من طعام، وفي الزائد مطلقا نصف صاع ‏(‏قوله والجراد كالقمل‏)‏ قال في البحر‏:‏ ولم أر من تكلم على الفرق بين الجراد القليل والكثير كالقمل‏.‏ وينبغي أن يكون كالقمل، ففي الثلاث وما دونها يتصدق بما شاء وفي الأكثر نصف صاع‏.‏ وفي المحيط‏:‏ مملوك أصاب جرادة في إحرامه، إن صام يوما فقد زاد، وإن شاء جمعها حتى تصير عدة جرادات فيصوم يوما‏.‏ ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكون القمل كذلك في حق العبد، لما علم أن العبد لا يكفر إلا بالصوم ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن ما في المحيط صريح في الفرق بين حكم القليل والكثير، ولكن ليس فيه بيان الفرق بين مقدار القليل والكثير، وعليه يحمل قول البحر ولم أر إلخ وبه اندفع اعتراض النهر‏.‏

‏(‏قوله إلا العقعق‏)‏ هو طائر أبيض فيه سواد وبياض يشبه صوته العين والقاف قاموس ومثله في الحكم الزاغ‏.‏ وأنواع الغراب على ما في فتح الباري خمسة‏:‏ العقعق، والأبقع‏:‏ الذي في ظهره أو بطنه بياض‏.‏ والغداف، وهو المعروف عند أهل اللغة بالأبقع، ويقال له غراب البين، لأنه بان عن نوح عليه الصلاة والسلام واشتغل بجيفة حين أرسله ليأتي بخبر الأرض‏.‏ والأعصم‏:‏ وهو ما في رجله أو جناحه أو بطنه بياض أو حمرة‏.‏ والزاغ، ويقال له غراب الزرع‏:‏ وهو الغراب الصغير الذي يأكل الحب ح عن القهستاني ‏(‏قوله وتعميم البحر‏)‏ حيث جعل العقعق كالغراب‏.‏ واعترض على قول الهداية إنه لا يسمى غرابا ولا يبتدئ بالأذى بقوله فيه نظر لأنه دائما يقع على دبر الدابة كما في غاية البيان ‏(‏قوله رده في النهر‏)‏ أي بما في المعراج من أنه لا يفعل ذلك غالبا، وبما في الظهيرية حيث قال‏:‏ وفي العقعق روايتان والظاهر أنه من الصيود ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وكلب عقور‏)‏ قيد بالعقور اتباعا للحديث، وإلا فالعقور وغيره، سواء أهليا كان أو وحشيا بحر ‏(‏قوله أي وحشي‏)‏ ليس تفسيرا لعقور بل تقييد له ح أي لأن العقور من العقر‏:‏ وهو الجرح، وهو ما يفرط شره وإيذاؤه قهستاني ‏(‏قوله أما غيره‏)‏ أي غير الوحشي‏:‏ وهو الأهلي، فليس بصيد أصلا فلا معنى لاستثنائه، لكن قدمنا عن الفتح أن الكلب مطلقا ليس بصيد لأنه أهلي في الأصل، وأيضا فإن العقرب وما بعده ليس بصيد أيضا ‏(‏قوله وبعوض‏)‏ هو صغير البق، ولا شيء بقتل الكبار والصغار شرنبلالية ‏(‏قوله لكن لا يحل إلخ‏)‏ استدراك على الإطلاق في النمل، فإن ظاهره جواز إطلاق قتله بجميع أنواعه مع أن فيه ما لا يؤذي، وهذا الحكم عام في كل ما لا يؤذي كما صرحوا به في غير موضع ط ‏(‏قوله أي إذا لم تضر‏)‏ تقييد للنسخ ذكره في النهر أخذا مما في الملتقط‏:‏ إذا كثرت الكلاب في قرية وأضرت بأهلها أمر أربابها بقتلها، فإن أبوا رفع الأمر إلى القاضي حتى يأمر بذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وبرغوث‏)‏ بضم الباء والغين ط ‏(‏قوله وفراش‏)‏ جمع فراشة‏:‏ هي التي تهافت في السراج قاموس ‏(‏قوله ووزغ‏)‏ هو سام أبرص بتشديد الميم‏.‏ ‏(‏قوله وأم حبين‏)‏ بمهملة مضمومة فموحدة مفتوحة فتحتية على وزن زبير‏:‏ دويبة تشبه الضب ‏(‏قوله وكذا جميع هوام الأرض‏)‏ الأولى إبدال جميع بباقي لأن ما قبله من الهوام وهي جمع هامة كل حيوان ذي سم، وقد تطلق على مؤذ ليس له سم كالقملة؛ أما الحشرات فهي جمع حشرة‏:‏ وهي صغار دواب الأرض كما في الديوان ط عن أبي السعود ‏(‏قوله وسبع‏)‏ هو كل حيوان مختطف عاد عادة ‏(‏قوله أي حيوان‏)‏ أشار إلى ما في النهر من أن هذا الحكم لا يخص السبع لأن غيره إذا صال لا شيء بقتله ذكره شيخ الإسلام، فكان عدم التخصيص أولى، إذ المفهوم معتبر في الروايات اتفاقا ا هـ‏.‏ لكن ينبغي تقييد الحيوان بغير المأكول؛ لما في البحر من أن الجمل لو صال على إنسان فقتله فعليه قيمته بالغة‏.‏ ما بلغت لأن الإذن في قتل السبع حاصل من صاحب الحق وهو الشارع، وأما الجمل فلم يحصل الإذن من صاحبه ‏(‏قوله صائل‏)‏ أي قاهر حامل على المحرم من الصولة أو الصألة بالهمزة قهستاني، وقيد به لما مر من أن غير الصائل يجب بقتله الجزاء ولا يجاوز عن شاة‏.‏ وما في البدائع من أن هذا أي عدم وجوب شيء إنما هو فيما لا يبتدئ بالأذى كالضبع والثعلب وغيرهما، أما ما يبتدئ به غالبا كالأسد والذئب والنمر والفهد فللمحرم قتله ولا شيء عليه‏.‏ قال بعض المتأخرين‏:‏ إنه بمذهب الشافعي أنسب نهر‏.‏ قلت‏:‏ والقائل ابن كمال، لكن ذكر في الفتح أول الباب كلام البدائع، وجعله مقابل المنصوص عليه في ظاهر الرواية‏.‏ ثم قال‏:‏ ثم رأيناه رواية عن أبي يوسف‏.‏ قال في الخانية‏:‏ وعن أبي يوسف الأسد بمنزلة الذئب، وفي ظاهر الرواية السباع كلها صيد إلا الكلب والذئب ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله كما تلزمه قيمته‏)‏ أي بالغة ما بلغت لمالكه يعني وقيمة لله تعالى لا تجاوز قيمة شاة بحر‏.‏ قلت‏:‏ هذا لو غير صائل، أما الصائل فقد علمت أنه لا يجب فيه لله تعالى شيء؛ فلذا اقتصر الشارح على قيمة واحدة فافهم‏.‏

‏(‏قوله وله‏)‏ أي للمحرم ‏(‏قوله ولو أبوها ظبيا‏)‏ أخرج الأم إذا كانت ظبية فإن عليه الجزاء لما ذكره الشارح ط ‏(‏قوله وبط أهلي‏)‏ هو الذي يكون في المساكن والحياض لأنه ألوف بأصل الخلقة، احترازا عن الذي يطير فإنه صيد فيجب الجزاء بقتله بحر ‏(‏قوله ولو لمحرم‏)‏ اللام للتعليل‏:‏ أي ولو صاده الحلال لأجل المحرم بلا أمره خلافا للإمام مالك كما في الهداية ‏(‏قوله وذبحه في الحل‏)‏ أما لو ذبحه في الحرم فهو ميتة كما قدمه‏.‏ وفي اللباب‏:‏ إذا ذبح محرم أو حلال في الحرم صيدا فذبيحته ميتة عندنا لا يحل أكلها له ولا لغيره من محرم أو حلال سواء اصطاده هو أي ذابحه أو غيره محرم أو حلال ولو في الحل، فلو أكل المحرم الذابح منه شيئا قبل أداء الضمان أو بعده فعليه قيمة ما أكل، ولو أكل منه غير الذابح فلا شيء عليه، ولو أكل الحلال مما ذبحه في الحرم بعد الضمان لا شيء عليه للأكل، ولو اصطاد حلال فذبح له محرم أو اصطاد محرم فذبح له حلال فهو ميتة‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال شارحه القاري‏:‏ اعلم أنه صرح غير واحد كصاحب الإيضاح والبحر الزاخر والبدائع وغيرهم بأن ذبح الحلال صيد الحرم يجعله ميتة لا يحل أكله وإن أدى جزاءه من غير تعرض لخلاف‏.‏ وذكر قاضي خان أنه يكره أكله تنزيها‏.‏ وفي اختلاف المسائل‏:‏ اختلفوا فيما إذا ذبح الحلال صيدا في الحرم؛ فقال مالك والشافعي وأحمد‏:‏ لا يحل أكله‏.‏ واختلف أصحاب أبي حنيفة؛ فقال الكرخي‏:‏ هو ميتة، وقال غيره هو مباح‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله على المختار‏)‏ راجع لقوله لا للمحرم، وهذا ما رواه الطحاوي‏.‏ وقال الجرجاني‏:‏ لا يحرم، وغلطه القدوري واعتمد رواية الطحاوي فتح وبحر ‏(‏قوله وتجب قيمته بذبح حلال‏)‏ هذا مكرر مع قوله سابقا وذبح حلال صيد الحرم إلا أنه أعاده ليرتب عليه قوله ولا يجزئه الصوم ط وأراد بالذبح الإتلاف ولو تسببا على وجه العدوان؛ فلو أدخل في الحرم بازيا فأرسله فقتل حمام الحرم لم يضمن لأنه أقام واجبا وما قصد الاصطياد فلم يكن تعديا في السبب بل كان مأمورا بحر ‏(‏قوله ولا يجزئه الصوم‏)‏ إنما اقتصر على نفي الصوم ليفيد أن الهدي جائز وهو ظاهر الرواية كما في البحر‏.‏ وفي اللباب‏:‏ فإن بلغت قيمته هديا اشتراه بها إن شاء وإن شاء اشترى بها طعاما فيتصدق به كما مر، ويجوز فيه الهدي إن كانت قيمته قبل الذبح مثل قيمة الصيد، ولا يشترط كونها مثلها بعد الذبح‏.‏ وأما الصوم في صيد الحرم فلا يجوز للحلال ويجوز للمحرم ‏(‏قوله لأنها غرامة‏)‏ لأن الضمان فيه باعتبار المحل وهو الصيد فصار كغرامة الأموال، بخلاف المحرم فإن ضمانه جزاء الفعل لا المحل والصوم يصلح له لأنه كفارة بحر ‏(‏قوله في دلالته‏)‏ أي دلالة الحلال ولو لمحرم، والفرق بين دلالة المحرم ودلالة الحلال أن المحرم التزم ترك التعرض بالإحرام، فلما دل ترك ما التزمه فضمن كالمودع إذا دل السارق على الوديعة ولا التزام من الحلال فلا ضمان بها كالأجنبي إذا دل السارق على مال إنسان بحر‏.‏

‏(‏قوله ولو حلالا‏)‏ الأولى أن يقال وهو حلال كما قيده به في مجمع الأنهر‏.‏ قال‏:‏ وإنما قيدنا به لتظهر فائدة قيد الدخول في الحرم، فإن وجوب الإرسال في المحرم لا يتوقف على دخول الحرم لأنه بمجرد الإحرام يجب عليه كما في الإصلاح وغيره وبهذا يظهر ضعف ما قيل حلالا أو محرما‏.‏ ا هـ‏.‏ وعليه ينبغي أن يقال وهو في الحل بدل قوله ولو في الحل‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ والحاصل أن الكلام فيمن كان حلالا في الحل وأراد الإحرام أو دخول الحرم وكان في يده صيد وجب عليه إرساله‏.‏ وفي اللباب وشرحه‏:‏ اعلم أن الصيد يصير آمنا بثلاثة أشياء‏:‏ بإحرام الصائد، أو بدخوله في الحرم، أو بدخول الصيد فيه، ولو أخذ صيدا في الحل أو الحرم وهو محرم أو في الحرم وهو حلال لم يملكه ووجب عليه إرساله، سواء كان في يده أو قفصه أو في بيته؛ ولو لم يرسله حتى هلك وهو محرم أو حلال فعليه الجزاء ‏(‏قوله يعني الجارحة‏)‏ محترزه قوله لا إن كان في بيته أو قفصه ‏(‏قوله وجب إرساله‏)‏ قال في البحر اتفاقا ‏(‏قوله أي إطارته‏)‏ لو قال أي إطلاقه لكان أشمل لتناول الوحش فإن هذا الحكم لا يخص الطير‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وشمل إطلاقه ما لو غصبه وهو حلال من حلال فأحرم الغاصب فإنه يلزمه إرساله وعليه قيمته لمالكه؛ فلو رده له برئ ولزمه الجزاء كذا في الدراية معزيا إلى المنتقى نهر‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وهذا لغز غاصب يجب عليه عدم الرد، بل إذا فعل يجب به الضمان ‏(‏قوله أو إرساله للحل وديعة‏)‏ هذا قول ثان في تفسير الإرسال حكاه القهستاني بعد حكاية الأول، وعزاه للتحفة‏.‏ ويشكل عليه مسألة الغاصب حيث لزمه الجزاء وإن رده لمالكه‏.‏ وأيضا فالرسول في حال أخذ الصيد هو في الحرم فيلزمه إرساله وضمان قيمته للمالك كالغاصب كما أفاده ط‏.‏ وأيضا اعترضه ابن كمال بأن يد المودع يد المودع لكن رده في النهر بما في فوائد الظهيرية أن يد خادمه كرجله‏.‏ وحاصله أن المحظور كون الصيد في يده الحقيقية ويده فيما عند المودع غير حقيقة؛ بل هي مثل يده على ما في رجله أو قفصه أو خادمه؛ لكن يرد عليه ما مر عن ط‏.‏ وقد يجاب بأنه يمكنه أن يناوله في طرف الحرم لمن هو في الحل أو يرسله في قفص‏.‏ ثم اعلم أن الذي يظهر من كلامهم أن هذين القولين في المسألة الثانية فقط وهي من أحرم في الحل وفي يده صيد، أما الأولى وهي لو دخل الحرم وفي يده صيد فالواجب عليه الإرسال بمعنى الإطارة لقوله في الهداية عليه أن يرسل فيه‏:‏ أي في الحرم، وتعليله له بأنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم وصار من صيد الحرم، وكذا ما قدمناه عن اللباب من أن الصيد يصير آمنا بثلاثة أشياء إلخ؛ وكذا قول اللباب‏:‏ ولو أدخل محرم أو حلال صيد الحل الحرم صار حكمه حكم صيد الحرم، وكذا قول المصنف الآتي فلو كان جارحا إلخ فإنه لو كان له إيداع الجارح بعدما أدخله الحرم لم يجز له إرساله مع العلم بأن عادة الجارح قتل الصيد، وكذا قول اللباب لو أخذ صيد الحرم فأرسله في الحل لا يبرأ من الضمان حتى يعلم وصوله إلى الحرم آمنا فكيف إذا أودعه فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله على وجه غير مضيع له‏)‏ يفسره ما قبله، فكان الأولى تأخيره عنه كما فعل في شرحه على الملتقى حيث قال كأن يودعه أو يرسله في قفص ‏(‏قوله وفي كراهة جامع الفتاوى‏)‏ إلى قوله لا يجب ساقط من بعض النسخ‏.‏ وحاصله أن إعتاق الصيد أي إطلاقه من يده جائز إن أباحه لمن يأخذه وهو تقييد لقوله لأن تسييب الدابة حرام، وقيل لا‏:‏ أي لا يجوز إعتاقه مطلقا كما هو ظاهر إطلاق حرمة التسييب لأنه وإن أباحه فالأغلب أنه لا يقع في يد أحد فيبقى سائبة، وفيه تضييع للمال، وقوله ولا تخرج عن ملكه بإعتاقه يحتمل معنيين‏:‏ الأول‏:‏ أنه لا يخرج عن ملكه قبل أن يأخذه أحد فإن أخذه أحد بعد الإباحة ملكه كما تفيده عبارة مختارات النوازل‏.‏ الثاني‏:‏ أنه لا يخرج مطلقا لأن التمليك لمجهول لا يصح مطلقا أو لا لقوم معلومين لما في لقطة البحر عن الهداية إن كانت اللقطة شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان يكون إلقاؤه إباحة حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف، ولكن يبقى على ملك مالكه لأن التمليك من المجهول لا يصح‏.‏ قال‏:‏ وفي البزازية للمالك أخذها منه إلا إذا قال عند الرمي من أخذه فهو له لقوم معلومين، ولم يذكر السرخسي هذا التفسير ا هـ‏.‏ فينبغي أن يكون إعتاق الصيد كذلك وتكون فائدة الإباحة حل الانتفاع به مع بقائه على ملك المالك، لكن في لفظة التتارخانية‏:‏ ترك دابة لا قيمة لها من الهزال ولم يبحها وقت الترك فأخذها رجل وأصلحها فالقياس أن تكون للآخذ كقشور الرمان المطروحة‏.‏ وفي الاستحسان‏:‏ تكون لصاحبها‏.‏ قال محمد‏:‏ لأنا لو جوزنا ذلك في الحيوان لجوزنا في الجارية ترمى في الأرض مريضة لا قيمة لها فيأخذها رجل وينفق عليها فيطؤها من غير شراء ولا هبة ولا إرث ولا صدقة أو يعتقها من غير أن يملكها وهذا أمر قبيح ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ ومقتضاه أن غير الحيوان كالقشور يكون طرحه إباحة بدون تصريح وأنه يملكه الآخذ بخلاف الحيوان فلا يملكه إلا بالتصريح بالإباحة كما هو مفهوم قوله ولم يبحها، وهذا خلاف ما ذكرناه عن البحر‏.‏ وعلى هذا يتخرج ما في مختارات النوازل؛ ويأتي قريبا قول ثالث، وهو أن غير المحرم لو أرسله يكون إباحة لأنه أرسله باختياره فيكون كقشور الرمان ‏(‏قوله وحينئذ‏)‏ أي حين إذا كان إعتاق الصيد لا يجوز إلا إذا أباحه لمن يأخذه تقييد الإطارة‏:‏ أي التي فسر بها الإرسال بالإباحة، ويؤيده قول المعراج ولو كان في يده فعليه إرساله على وجه لا يضيع، فإن إرسال الصيد ليس بمندوب كتسييب الدابة؛ بل هو حرام إلا أن يرسله للعلف أو يبيح للناس أخذه كذا في الفوائد الظهيرية ا هـ‏.‏ وقال بعده على وجه لا يضيع بأن يخليه في بيته أو يودعه عند حلال ا هـ‏.‏ لكن ظاهر ما قدمناه عن القهستاني من حكاية القولين في تفسير الإرسال أن من فسره بالإطارة لم يقيد بالإباحة لأنه يقول إن الإرسال واجب فلم يكن في معنى التسييب المحظور، ومن فسر الإرسال الوديعة فكأنه يقول حيث أمكنه دفع التعرض للصيد بها فلا حاجة إلى الإطارة المضيعة للملك لاندفاع الضرورة بدونها، ولذا قال قاضي خان في شرح الجامع لو أحرم والصيد في يده عليه أن يرسله، لكن على وجه لا يضيع لأن الواجب ترك التعرض بإزالة اليد الحقيقية لا بإبطال الملك‏.‏ ا هـ‏.‏ وكون الإباحة تنفي التضييع ممنوع‏.‏ لأن الغالب على الصيد أنه إذا أرسل لا يصاد ثانيا فيبقى ملكه ضائعا، والتسييب لا يجوز، وإنما يجب الإرسال مطلقا فيما صاده وهو محرم كما مر لأنه لم يملكه فليس فيه تضييع ملك، هذا ما ظهر لي وقد علمت مما قدمناه أن هذا كله فيما لو أخذ صيدا ثم أحرم؛ أما لو دخل به الحرم فإنه يلزمه إرساله بمعنى إطارته، وأنه ليس له إيداعه لأنه صار من صيد الحرم ‏(‏قوله فتأمل‏.‏‏)‏ كذا في بعض النسخ وفي بعضها قبل‏.‏ وقال ح، هو ظرف مبني على الضم أي قبل الإطارة العامل فيه الإباحة ‏(‏قوله وأصلحها‏)‏ ليس بقيد فيما يظهر لأن المدار في التمليك على الإباحة‏.‏ وقد يقال إنما قيد به لمنع الأخذ لأن قوله من أخذها فهي له ينزل هبة والإصلاح زيادة تمنع من الرجوع منها وبدونه له الرجوع إذ لا مانع ويحرر ط ‏(‏قوله والقول له‏)‏ أي للمالك أنه لم يبحها لأحد لأنه ينكر إباحة التمليك وإن برهن الآخذ أو نكل عن اليمين سلمت للآخذ ط عن لقطة البحر ‏(‏قوله لا إن كان في بيته أو قفصه‏)‏ أي ولم يكن اصطاده في الإحرام أما لو اصطاده في الإحرام يلزمه إرساله بالإجماع معراج ‏(‏قوله لجريان العادة‏)‏ أي من لدن الصحابة إلى الآن، وهم التابعون ومن بعدهم يحرمون وفي بيوتهم حمام في أبراج وعندهم دواجن وطيور لا يطلقونها وهي إحدى الحجج، فدلت على أن استبقاءها في الملك محفوظة بغير اليد ليس هو التعرض الممتنع فتح‏.‏ والدواجن‏:‏ جمع داجن، وهو الذي ألف المكان من صيود وحشيات ومستأنسة ‏(‏قوله ولو القفص في يده‏)‏ أي مع خادمه أو في رحله معراج‏.‏ وقيل إن كان القفص في يده يلزمه إرساله لكن على وجه لا يضيع هداية وهو ضعيف كما في النهر‏.‏ قال ح‏:‏ والظاهر أن مثله ما إذا كان الحبل المشدود في رقبة الصيد في يده ‏(‏قوله بدليل إلخ‏)‏ فإنه يأخذ الغلاف بيده لم يجعل المصحف بيده فكذا بأخذ القفص لا يكون الطير في يده ‏(‏قوله أخذه منه‏)‏ صفة لإنسان، والضمير في منه للحل، ومثله ما لو أخذه من الحرم بالأولى لأنه لو كان غير مملوك لا يملكه الآخذ فالمملوك أولى فافهم ‏(‏قوله لأنه لم يخرج عن ملكه‏)‏ الأولى حذفه والاقتصار على التعليل الثاني لأنه عين قول المصنف ولا يخرج عن ملكه ط ‏(‏قوله لأنه ملكه وهو حلال‏)‏ علة لعدم خروج الصيد عن ملكه، ومفهومه أنه لو ملكه وهو محرم يخرج عن ملكه مع أن المحرم لا يملك الصيد، فلو قال لأنه أخذه وهو حلال لكان أحسن ح ‏(‏قوله لما يأتي‏)‏ أي في قول المصنف والصيد لا يملكه المحرم إلخ ‏(‏قوله لأنه لم يرسله عن اختيار‏)‏ كذا في بعض النسخ أي لأن الشرع ألزمه بإرساله فكان مضطرا شرعا إليه، والمناسب عطفه بالواو لأنه علة ثانية لقوله وله أخذه إلخ‏.‏ وقد علل به التمرتاشي كما عزاه إليه في الفتح وقال إنه يدل على أنه لو أرسله من غير إحرام يكون إباحة ا هـ‏.‏ أي فليس له أخذه ممن أخذه وإن لم يصرح بالإباحة وقت إرساله لأنه غير مضطر إليه فكان مجرد إرساله إباحة كإلقاء قشر الرمان كما قدمناه‏.‏

‏(‏قوله فلو كان جارحا‏)‏ تفريع على قوله وجب إرساله‏.‏ والجارح‏:‏ من الصيد ما له ناب أي مخلب يصيد به ‏(‏قوله لفعله ما وجب عليه‏)‏ وهو إرساله لا على قصد الاصطياد، والمسألة مفروضة فيما إذا دخل به الحرم، وهذا مؤيد لما قلنا من أن من دخل الحرم بصيد وجب عليه إرساله بمعنى إطارته لأنه صار من صيد الحرم، وليس له إيداعه وإلا لكان الواجب الإيداع في الجوارح دون الإرسال لأن الجوارح عادتها قتل الصيد فيكون متعديا بإرساله في الحرم ‏(‏قوله فلو باعه‏)‏ مفرع أيضا على قوله وجب إرساله والضمير فيه للصيد الذي أخذه حلال ثم أحرم أو دخل به الحرم لأن في قوله رد المبيع إلخ إشارة إلى أن البيع فاسد لا باطل كما نص عليه في الشرنبلالية عن الكافي والزيلعي، بخلاف ما لو أخذ الصيد وهو محرم وباعه فإن بيعه باطل كما سيذكره، وأطلق في البيع فشمل ما إذا باعه في الحرم أو بعدما أخرجه إلى الحل لأنه صار بالإدخال من صيد الحرم فلا يحل إخراجه بعد ذلك، كذا عزاه في البحر إلى الشارحين؛ ثم نقل عن المحيط خلافه من جواز البيع والأكل بعد الإخراج مع الكراهة، لكن ذكر في النهر أنه ضعيف‏.‏ قلت‏:‏ لكن هذا إذا لم يؤد جزاءه بعد الإخراج، أما لو أداه فإنه يملكه ويخرج عن كونه صيد الحرم كما يأتي في مسألة الظبية‏.‏ ثم إن هذا أيضا مؤيد لما قلناه من أنه إذا دخل الحرم بصيد ليس له أن يرسله إلى الحل وديعة لما علمت من أنه لا يحل إخراجه بل عليه إرساله في الحرم، وأما ما مر من أنه لا يخرج عن ملكه بهذا الإرسال فله أخذه في الحل وله أخذه ممن أخذه؛ ومقتضاه أن له بيعه وأكله أيضا، فلا ينافي ما هنا لأن ذاك فيما لو أرسله وخرج الصيد بنفسه بخلاف ما إذا أخرجه‏.‏ قال في اللباب‏:‏ ولو خرج الصيد من الحرم بنفسه حل أخذه وإن أخرجه أحد لم يحل فافهم ‏(‏قوله وإلا‏)‏ أي وإن لم يبق المبيع في يد المشتري، بأن أتلفه أو تلف أو غاب المشتري ولا يمكن إدراكه ط عن أبي السعود ‏(‏قوله فعليه الجزاء‏)‏ تقدم قريبا بيانه وأن الصوم في صيد الحرم لا يجوز للحلال ويجوز للمحرم ‏(‏قوله لأن حرمة الحرم‏)‏ أي فيما لو أدخل الصيد الحرم ثم باعه فيه أو بعدما أخرجه لكونه صار صيد الحرم فيمتنع بيعه مطلقا كما مر فافهم، وقوله والإحرام‏:‏ أي فيما لو أخذه ثم أحرم ‏(‏قوله ولو أخذ حلال‏)‏ أي في الحل لباب، وقوله ضمن مرسله لأن الآخذ ملك الصيد ملكا محترما فلا يبطل احترامه بإحرامه وقد أتلفه المرسل فيضمنه، بخلاف ما أخذه في حالة الإحرام لأنه لا يملكه والواجب عليه ترك التعرض، ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته، فإذا قطع يده عنه كان متعديا هداية، ومقتضى هذا مع ما قدمناه أنه لو دخل به الحرم فأرسله أحد لا يضمن المرسل لأن الآخذ يلزمه إرساله وإن كان ملكه، ولا يمكنه تخليته في بيته فلم يكن المرسل متعديا تأمل ‏(‏قوله وقولهما استحسان‏)‏ وجهه أن المرسل آمر بالمعروف ناه عن المنكر وما على المحسنين من سبيل -‏.‏

مطلب لا يجب الضمان بكسر آلات اللهو

قال في الهداية‏:‏ ونظيره الاختلاف في كسر المعازف أي آلات اللهو كالطنبور‏.‏ وقال في البحر‏:‏ وهو يقتضي أن يفتى بقولهما هنا لأن الفتوى على قولهما في عدم الضمان بكسر المعازف‏.‏ ا هـ‏.‏ قال ط‏:‏ وأشار الشارح إلى ذلك لأن الفتوى على الاستحسان إلا فيما استثني من مسائل قليلة ‏(‏قوله لم يملكه‏)‏ لأن الصيد لم يبق محلا للتملك في حق المحرم، فصار كما إذا اشترى الخمر هداية ‏(‏قوله بل بسبب جبري‏)‏ هو ما يحصل به الملك بلا اختيار وقبول ‏(‏قوله والسبب الجبري‏)‏ أتى به ظاهرا‏.‏ ولم يقل وهو ليفيد أن المراد مطلق السبب لا بقيد كونه في الصيد أفاده ط ‏(‏قوله في إحدى عشر‏)‏ حق العبارة إحدى عشرة لأنه تجب المطابقة فيه بتأنيث الجزأين لتأنيث المعدود ‏(‏قوله مبسوطة في الأشباه‏)‏ لا حاجة إلى ذكرها هنا، وقد ذكرها المحشي ‏(‏قوله فلذا قال إلخ‏)‏ الأولى أن يقول ومثل للجبري تبعا للبحر بقوله إلخ ط‏.‏ ‏(‏قوله وجعله في الأشباه بالاتفاق‏)‏ حيث قال‏:‏ لا يدخل في ملك أحد شيء بغير اختياره إلا الإرث اتفاقا إلخ ‏(‏قوله لكن في النهر إلخ‏)‏ هذا الاستدراك ليس في محله لأن كلام الأشباه كما رأيت مطلق لا يتقيد بهذه الصورة، ولا شك في الاتفاق على كون الإرث مطلقا سببا جبريا، وإنما لم يكن سببا في صورة المحرم إذا مات مورثه عن صيد على كلام السراج لقيام المانع، وهو الإحرام كقيام الموانع الأربعة‏:‏ أي الرق، والكفر، والقتل، واختلاف الملك؛ فكما لا يقدح قيام تلك الموانع في سببية الإرث لا يقدح هذا فيها‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وإن جعل استدراكا على المتن كان في محله ط ‏(‏قوله‏:‏ وهو الظاهر‏)‏ هذا من كلام النهر حيث قال وهو الظاهر لما سيأتي‏:‏ أي من كون الصيد محرم العين على المحرم، ولم يظهر لي وجه ظهوره، إذ بعد تحقق سبب الإرث وهو موت المورث لا بد من قيام نص يدل على كون الإحرام مانعا من إرث الصيد كقيامه على الموانع الأربعة وكون الصيد محرم العين على المحرم بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏}‏ ولذا لو منع من سائر التصرفات لا يدل على منع إرثه‏.‏ فإن الجمرة محرمة العين أيضا وتورث‏.‏

‏(‏قوله فإن قتله‏)‏ أي الصيد الذي أخذه المحرم ‏(‏قوله محرم آخر إلخ‏)‏ احترز به عن البهيمة‏.‏ وبالبالغ المسلم عن الصبي والكافر كما يأتي، وكان ينبغي زيادة عاقل للاحتراز عن المجنون فإنه في حكم الصبي كما في ط عن الحموي‏.‏ وخرج أيضا ما لو قتله حلال فإنه إن كان في الحرم لزمه الجزاء وإلا فلا، لكن يرجع عليه الآخذ بما ضمن، فالرجوع فيه لا فرق فيه بين المحرم والحلال بحر ‏(‏قوله لأنه قرر عليه ما كان بمعرض السقوط‏)‏ فإنه كان محتمل الإرسال قبل قتله؛ وللتقرير حكم الابتداء في حق التضمين كشهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا كما في الهداية ‏(‏قوله على ما اختاره الكمال‏)‏ وجزم به الزيلعي، وصرح به في المحيط عن المبتغى‏.‏ وظاهر ما في النهاية أن يرجع الآخذ بالقيمة مطلقا ح عن البحر‏.‏

‏(‏قوله لم يرجع على ربها‏)‏ عبارة اللباب‏:‏ ولو قتله بهيمة في يده فعليه الجزاء ولا يرجع على أحد‏.‏ قال شارحه‏:‏ أي من صاحب البهيمة أو راكبها وسائقها وقائدها، والمسألة مصرحة في البحر الزاخر‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وهذا في الرجوع على الراكب ونحوه، أما ضمان الراكب ونحوه الجزاء فلا شك فيه‏.‏ قال في معراج الدراية‏:‏ وكذا لو كان راكبا أو سائقا أو قائدا فأتلفت الدابة بيدها أو رجلها أو فمها صيدا فعليه الجزاء فافهم ‏(‏قوله ولو صبيا أو نصرانيا‏)‏ محترز قوله بالغ مسلم‏.‏ وعبارة المعراج‏:‏ لا يجب على الصبي والمجنون والكافر، فزاد المجنون لأنه كالصبي كما مر، وعبر بالكافر لأن النصراني غير قيد وإخراجه عن قوله محرم باعتبار الصورة، وإلا فالكافر ليس أهلا للنية التي هي شرط الإحرام ‏(‏قوله فلا جزاء عليه‏)‏ بل على الآخذ وحده ‏(‏قوله لأنه يلزمه حقوق العباد‏)‏ وهنا لما قرر على الآخذ ما كان بمعرض السقوط لزمه‏.‏ ‏(‏قوله وكل ما على المفرد به دم‏)‏ لو قال كفارة لشمل الصدقة واستغنى عن قوله وكذا الحكم في الصدقة، ثم المراد بالكفارة ما يشمل كفارة الضرورة، فإن القارن إذا لبس أو غطى رأسه للضرورة تعددت الكفارة كما في البحر ‏(‏قوله يعني بفعل شيء من محظوراته إلخ‏)‏ أي محظورات الإحرام‏:‏ أي ما حرم عليه فعله بسبب نفس الإحرام لا من حيث كونه حجا أو عمرة، ولا ما حرم بسبب غير الإحرام وذلك كاللبس والتطيب وإزالة شعر أو ظفر، فخرج ما لو ترك واجبا؛ كما لو ترك السعي أو الرمي أو أفاض قبل الإمام أو طاف جنبا أو محدثا للحج أو العمرة فإن عليه الكفارة، ولا تتعدد على القارن لأن ذلك ليس جناية على نفس الإحرام بل هو ترك واجب من واجبات الحج أو العمرة، وكذا لو طاف جنبا وهو غير محرم لزمه دم كما نص عليه في البحر، بخلاف نحو اللبس فإنه جناية على الإحرام مع قطع النظر عن كونه حجا أو عمرة، ولذا حرم عليه ذلك قبل الشروع في أفعالهما، فيتعدد الجزاء على القارن لتلبسه بإحرامين‏.‏ وخرج أيضا ما لو قطع نبات الحرم فلا يتعدد الجزاء به أيضا على القارن‏.‏ قال في البحر لأنه من باب الغرامات لا تعلق للإحرام به، بخلاف صيد الحرم إذا قتله القارن فإنه يلزمه قيمتان لأنها جناية على الإحرام وهو متعدد، ولا ينظر إلى كونه جناية على الحرم لأن أقوى الحرمتين تستتبع أدناهما والإحرام أقوى فكان وجوب القيمة بسبب الإحرام فقط لا بسبب الحرم، وإنما ينظر إلى الحرم إذا كان القاتل حلالا‏.‏ ا هـ‏.‏ هذا ما ظهر لي تقريره هنا‏.‏ وظاهر تقرير السراج أن المراد بقوله وما على المفرد به دم ما كان فعلا احترازا عما كان تركا كترك السعي وحد الوقوف والطهارة، وبه يشعر كلام الشارح، لكن يرد عليه قطع النبات فإنه فعل تأمل ‏(‏قوله ومثله متمتع ساق الهدي‏)‏ أولى منه قول اللباب‏:‏ وما ذكرناه من لزوم الجزاءين على القارن هو حكم كل من جمع بين إحرامين كالمتمتع الذي ساق الهدي أو لم يسقه، لكن لم يحل من العمرة حتى أحرم بالحج، وكذا من جمع بين الحجتين أو العمرتين، وعلى هذا لو أحرم بمائة حجة أو عمرة ثم جنى قبل رفضها فعليه مائة جزاء‏.‏ ا هـ‏.‏ فافهم‏.‏ ‏(‏قوله لجنايته على إحراميه‏)‏ أي إحرام الحج وإحرام العمرة، وهو علة لتعدد الدم والصدقة، وما ذكره الشارح قبيل قول المصنف أو أفاض من عرفة قبل الإمام من أنه لا مدخل للصدقة في العمرة يقتضي عدم تعدد الصدقة على القارن، لكن قدمنا جوابه هناك فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله فعليه دم واحد‏)‏ لتأخير الإحرام عن الميقات، ولو عاد إلى الميقات وأحرم سقط الدم ط‏.‏ وذكر في النهاية صورة يلزم القارن فيها دمان للمجاوزة، وهي ما لو جاوز فأحرم بحج ثم دخل مكة فأحرم بعمرة ولم يعد إلى الحل محرما، وهي غير واردة لأن الدم الأول للمجاوزة، والثاني لتركه ميقات العمرة لأنه لما دخل مكة التحق بأهلها بحر ‏(‏قوله لأنه حينئذ‏)‏ أي حين المجاوزة ليس بقارن، وهذا تعليل لوجوب الدم الواحد ويكون الاستثناء منقطعا، وذلك لأن الدم يلزمه، سواء أحرم بعد ذلك بحج أو عمرة أو بهما، أو لم يحرم أصلا، فلا دخل لكونه قارنا في وجوب ذلك الدم ط‏.‏

‏(‏قوله لتعدد الفعل‏)‏ أي الجناية لأن كل واحد منهما بالشركة يصير جانيا جناية تفوق الدلالة فيتعدد الجزاء بتعدد الجناية هداية فافهم ‏(‏قوله لاتحاد المحل‏)‏ فإن الضمان في حق المحرم جزاء الفعل، وهو متعدد، وفي حق صيد الحرم جزاء المحل، وهو ليس بمتعدد كرجلين قتلا رجلا خطأ يجب عليهما دية واحدة لأنها بدل المحل، وعلى كل منهما كفارة لأنها جزاء الفعل بحر‏.‏ وينبغي أن يقسم على عدد الرءوس إذا قتله جماعة، ولو قتله حلال ومحرم فعلى المحرم جميع القيمة وعلى الحلال نصفها، ولو قتله حلال ومفرد وقارن فعلى الحلال ثلث الجزاء وعلى المفرد جزاء وعلى القارن جزاءان قهستاني، وتمامه في البحر‏.‏

‏(‏قوله وبطل بيع المحرم صيدا إلخ‏)‏ أطلقه فشمل ما إذا كان العاقدان محرمين أو أحدهما، فأفاد أن بيع المحرم باطل ولو كان المشتري حلالا وأن شراءه باطل وإن كان البائع حلالا‏.‏ وأما الجزاء فإنما يكون على المحرم، حتى لو كان البائع حلالا والمشتري محرما لزم المشتري فقط، وعلى هذا كل تصرف بحر ‏(‏قوله وكذا كل تصرف‏)‏ أي من هبة ووصية وجعله مهرا وبدل خلع لأن العين خرجت عن كونها محلا لسائر التصرفات ط‏.‏ ثم الأولى تأخيره عن قوله وشراؤه ليكون تعميما بعد تخصيص ‏(‏قوله إن اصطاده وهو محرم‏)‏ أي لأنه لم يملكه كما مر‏.‏ وأفاد بهذا الشرط أن البطلان إذا صاده وهو محرم وباعه كذلك، أما لو صاده وهو محرم وباعه وهو حلال فالبيع جائز كما في السراج؛ ولو صاده وهو حلال وباعه وهو محرم فالبيع فاسد كما صرح به تبعا للسراج أيضا‏:‏ أي إذا كان المشتري حلالا، أما لو كان محرما فالبيع باطل ولو كان البائع حلالا كما مر آنفا‏.‏ ثم إن ما ذكره من الشرط إنما هو في بيع المحرم كما مر في النهر قال ح إذ لا معنى لقولك وبطل شراء المحرم إن اصطاده وهو محرم فكان عليه أن يذكر الشرط بعد الأول‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وفي الفاسد يضمن قيمته‏)‏ أي يضمن المشتري قيمة الصيد للبائع لأنه ملكه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله أيضا‏)‏ أي مع ضمانه‏:‏ أي المشتري الجزاء المذكور في قوله وعليه وعلى البائع الجزاء فافهم، ولا يخفى أن ضمانه الجزاء إنما هو إذا كان محرما وإلا فليس عليه سوى ضمان القيمة ‏(‏قوله كما مر‏)‏ الكاف فيه للتنظير‏:‏ أي نظير ما مر من ضمان المرسل القيمة في قوله أخذ حلال صيدا ضمن مرسله‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر في البحر عن المحيط قبيل قول الكنز وحل له لحم ما صاده حلال لو وهب محرم لمحرم صيدا فأكله‏.‏ قال أبو حنيفة‏:‏ على الآكل ثلاثة أجزأة‏:‏ قيمة للذبح، وقيمة للأكل المحظور‏.‏ وقيمة للواهب لأن الهبة كانت فاسدة وعلى الواهب قيمة‏.‏ وقال محمد‏:‏ على الآكل قيمتان قيمة للواهب وقيمة للذبح، ولا شيء للأكل عنده‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أن وجوب قيمة للواهب خاص فيما إذا اصطاده وهو حلال ليكون ملكه وإلا لم يملكه فلا يجب له قيمة، ولذا كانت الهبة فاسدة لا باطلة قيل‏:‏ وهذا بناء على القول بأن الهبة الفاسدة لا تفيد الملك بالقبض، أما عن مقابله فلا شيء عليه للواهب‏.‏ قلت‏:‏ وهذا غير صحيح لأنها مضمونة على كل من القولين كالبيع الفاسد يملك بالقبض ويضمن بمثله أو قيمته كما سيذكره في كتاب الهبة إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله بعدما أخرجت‏)‏ أي أخرجها محرم أو حلال معراج ‏(‏قوله وماتا‏)‏ علم حكم ذبحهما وإتلافهما بأي وجه كان بالأولى ط ‏(‏قوله غرمهما‏)‏ لأن الصيد بعد الإخراج من الحرم بقي مستحق الأمن شرعا ولهذا وجب رده إلى مأمنه وهذه صفة شرعية فتسري إلى الولد‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله لم يجزه‏)‏ بفتح الياء من جزاه به وهو ثلاثي معتل الآخر كما في القاموس وضميره المستتر للمخرج والبارز للولد ح‏.‏ وكل زيادة في الصيد كالسمن والشعر فضمانها على هذا التفصيل نهر‏:‏ أي إن لم يؤد جزاءها قبل موتها ضمن الزيادة وإن أداه فلا بحر، وبه علم أنها لو حبلت بعد إخراجها، فهو كذلك كما أفاده ط ‏(‏قوله لعدم سراية الأمن‏)‏ أي إلى الولد لأنه لما أدى ضمان الأصل ملكها فخرجت من أن تكون صيد الحرم وبطل استحقاق الأمن قاضي خان‏.‏ قال في النهر‏:‏ حتى لو ذبح الأم والأولاد يحل، لكن مع الكراهة كما في الغاية ‏(‏قوله والظاهر نعم‏)‏ نقله في النهر عن البحر بقوله فإذا أدى الجزاء ملكها ملكا خبيثا، ولذا قالوا بكراهة أكلها وهي عند الإطلاق تنصرف إلى التحريم، فدل على أنه يجب ردها بعد أداء الجزاء‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله آفاقي إلخ‏)‏ ترجمه في الكنز بباب مجاوزة الميقات بغير إحرام، ووصله المصنف بما سبق لأنه جناية أيضا، لكن ما سبق جناية بعد الإحرام وهذا قبله قال ح‏:‏ لو عبر بمن جاوز الميقات كما عبر به في الكنز لشمل قوله كمكي يريد الحج إلخ ولشمل حرميا أحرم لعمرته من الحرم وبستانيا أحرم لحجته أو لعمرته من الحرم‏.‏ فإن كل من لم يحرم من ميقاته المعين له لزمه دم ما لم يعد إليه سواء كان حرميا أم بستانيا أم آفاقيا، غاية الأمر أنه يشترط للزوم الإحرام في البستاني والحرمي قصد النسك، ويكفي الآفاقي قصد دخول الحرم قصد مع ذلك نسكا أم لا‏.‏ ا هـ‏.‏ وأراد بالبستاني الحلي أي من كان في الحل داخل المواقيت‏.‏ والحاصل أن المحرم ثلاثة أصناف آفاقي وحلي وحرمي، ولكل ميقات مخصوص تقدم بيانه في المواقيت، فمن أراد نسكا وجاوز وقته لزمه العود إليه ‏(‏قوله مسلم بالغ‏)‏ فلو جاوزه كافر أو صبي فأسلم وبلغ لا شيء عليهما، ولم يقيد بالحر ليشمل الرقيق‏.‏ فإنه لو جاوزه بلا إحرام ثم أذن له مولاه فأحرم من مكة فعليه دم يؤخذ به بعد العتق فتح ‏(‏قوله يريد الحج أو العمرة‏)‏ كذا قاله صدر الشريعة، وتبعه صاحب الدرر وابن كمال باشا، وليس بصحيح لما نذكر‏.‏ ومنشأ ذلك قول الهداية‏:‏ وهذا الذي ذكرنا أي من لزوم الدم بالمجاوزة إن كان يريد الحج أو العمرة، فإن كان دخل البستان لحاجة فله أن يدخل مكة بغير إحرام‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في الفتح‏:‏ يوهم ظاهره أن ما ذكرنا من أنه إذا جاوز غير محرم وجب الدم إلا أن يتلافاه، محله ما إذا قصد النسك، فإن قصد التجارة أو السياحة لا شيء عليه بعد الإحرام وليس كذلك لأن جميع الكتب ناطقة بلزوم الإحرام على من قصد مكة سواء قصد النسك أم لا‏.‏ وقد صرح به المصنف أي صاحب الهداية في فعل المواقيت، فيجب أن يحمل على أن الغالب فيمن قصد مكة من الآفاقيين قصد النسك، فالمراد بقوله إذا أراد الحج أو العمرة إذا أراد مكة‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا من ح عن الشرنبلالية، وليس المراد بمكة خصوصها، بل قصد الحرم مطلقا موجب للإحرام كما مر قبيل فصل الإحرام، وصرح به في الفتح وغيره ‏(‏قوله فلو لم يرد إلخ‏)‏ قد علمت ما فيه ح ‏(‏قوله على ما مر‏)‏ أي أول الكتاب في بحث المواقيت في قوله وحرم تأخير الإحرام عنها لمن قصد دخول مكة ولو لحاجة‏.‏ وفي بعض النسخ على ما سيأتي في المتن قريبا‏:‏ أي في قوله وعلى من دخل مكة بلا إحرام حجة أو عمرة ‏(‏قوله وجاوز وقته‏)‏ أي ميقاته، والمراد آخر المواقيت التي يمر عليها، إذ لا يجب عليه الإحرام من أولها كما مر أول الكتاب ‏(‏قوله اعتبار الإرادة عند المجاوزة‏)‏ أي أن الآفاقي الذي جاوز وقته تعتبر إرادته عند المجاوزة، فإن كان عند قصد المجاوزة أراد دخول مكة لحج أو غيره لزمه الإحرام من الميقات، وإلا بأن أراد دخول مكان في الحل لحاجة فلا شيء عليه‏.‏ واستظهر في البحر اعتبار الإرادة عند الخروج من بيته، لكن ذكر ذلك في مسألة البستان الآتية، وأشار الشارح إلى أنه لا فرق بين الموضعين حيث ذكر ذلك فيهما، وسنذكر عبارة البحر والنهر فافهم ‏(‏قوله إلى ميقات ما‏)‏ في بعض النسخ بدون لفظة ما، وعلى كل فالمراد أي ميقات كان، سواء كان ميقاته الذي جاوزه غير محرم أو غيره أقرب أو أبعد لأنها كلها في حق المحرم سواء‏.‏ والأولى أن يحرم من وقته بحر عن المحيط ‏(‏قوله ثم أحرم‏)‏ أي بحج ولو نفلا أو بعمرة، وهذا ناظر إلى قول الشارح كما إذا لم يحرم، وقوله أو عاد إلخ ناظر إلى قوله جاوز وقته ثم أحرم‏.‏ وعبارة المتن بمجردها فيها حزازة فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله صفة محرما‏)‏ أي صفة معنوية، وإلا فجملة لم يشرع حال من فاعله المستتر أو من فاعل عاد، فهي حال بعد حال متداخلة أو مترادفة ‏(‏قوله كطواف‏)‏ وكذا لو وقف بعرفة قبل أن يطوف للقدوم فتح ‏(‏قوله ولو شوطا‏)‏ أخذه من البحر، ومقتضاه أنه لا بد في لزوم الدم وعدم إمكان سقوطه من الشوط الكامل‏.‏ وعبارة الهداية‏:‏ ولو عاد بعد ما ابتدأ الطواف واستلم الحجر لا يسقط عنه الدم بالاتفاق فقال‏:‏ واستلم الحجر بالواو، وفي بعض نسخها بالفاء‏.‏ قال ابن الكمال في شرحها‏:‏ إنما ذكره تنبيها على أن المعتبر في ذلك الشوط التام، فإن المسنون الفصل بين الشوطين بالاستلام، وإلا فهو ليس بشرط‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في العناية‏.‏ وعليه فالمراد بالاستلام ما يكون بين الشوطين لا ما يكون في أول الطواف، ويؤيده قول البدائع بعد ما طاف شوطا أو شوطين‏:‏ وبه ظهر أن ما في الدرر من عطفه بأو غير ظاهر لاقتضائه الاكتفاء ببعض الشوط فافهم ‏(‏قوله لأن الشرط إلخ‏)‏ أي في سقوط الدم، وليس المراد أنه شرط في صحة النسك لأن تعيين الإحرام من الميقات واجب حتى يجبر بالدم، ولو كان شرطا لكان فرضا، وبتركه يفسد الحج أفاده الحموي ط ‏(‏قوله عند الميقات‏)‏ احتراز عن داخل الميقات لا خارجه، حتى لو عاد محرما ولم يلب فيه لكن لبى بعد ما جاوزه ثم رجع ومر به ساكتا فإنه يسقط عنه بالأولى لأنه فوق الواجب عليه في تعظيم البيت كما في البحر ح ‏(‏قوله خلافا لهما‏)‏ حيث قالا يسقط الدم وإن لم يلب كما لو مر محرما ساكتا؛ وله أن العزيمة في الإحرام من دويرة أهله، فإذا ترخص بالتأخير إلى الميقات وجب عليه قضاء حقه بإنشاء التلبية، فكان التلافي بعوده ملبيا هداية‏.‏ وفي شرحها لابن الكمال‏:‏ اعلم أن الناظرين في هذا المقام من شراح الكتاب وغيرهم اتفقوا على أن العزيمة للآفاقي ما ذكر، ولا يخلو عن إشكال، إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنه أحرم من دويرة أهله فكيف يصح اتفاق الكل على ترك العزيمة وما هو الأفضل‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهو ممنوع فإن المراد بالإحرام من دويرة أهله أي مما قرب من أهل الحرم من الأماكن البعيدة عن الميقات، وقد ورد فعل ذلك عن جماعة من الصحابة وورد طلبه في الحديث كما قدمناه عن الفتح عند بحث المواقيت‏.‏ وفسر الصحابة الإتمام في - وأتموا الحج - بذلك، وهذا في حق من قدر عليه كما مر هنا فافهم ‏(‏قوله والأفضل عوده‏)‏ ظاهر ما في البحر عن المحيط وجوب العود، وبه صرح في شرح اللباب ‏(‏قوله إلا إذا خاف فوت الحج‏)‏ أي فإنه لا يعود ويمضي في إحرامه، وعلله في البحر عن المحيط بقوله لأن الحج فرض والإحرام من الميقات واجب وترك الواجب أهون من ترك الفرض‏.‏ ا هـ‏.‏ ومقتضاه أنه لو لم يخف الفوت يجب العود كما قلنا لعدم المزاحم، وأنه إذا خافه يجب عدم العود، وبه يعلم ما في قول النهر ومتى خاف فوت الحج لو عاد فالأفضل عدمه وإلا فالأفضل عوده كما في المحيط‏.‏ ا هـ‏.‏ هذا وفي البحر‏:‏ واستفيد منه‏:‏ أي مما ذكره عن المحيط أنه لا تفصيل في العمرة وأنه يعود لأنها لا تفوت أصلا‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن هذا بالنظر إلى الفوات وإلا فقد يحصل مانع من العود غير الفوات لخوفه على نفسه أو ماله فيسقط وجوب العود في العمرة أيضا ‏(‏قوله أو عاد بعد شروعه‏)‏ بقي عليه أن يقول أو قبل شروعه ولم يلب عند الميقات ح ‏(‏قوله كمكي يريد الحج إلخ‏)‏ أما لو خرج إلى الحل لحاجة فأحرم منه ووقف بعرفة فلا شيء عليه؛ كالآفاقي إذا جاوز الميقات قاصدا البستان ثم أحرم منه، ولم أر تقييد مسألة المتمتع بما إذا خرج على قصد الحج، وينبغي أن تقيد به؛ وأنه لو خرج لحاجة إلى الحل ثم أحرم بالحج منه لا يجب عليه شيء كالمكي فتح ‏(‏قوله وصار مكيا‏)‏ لأن من وصل إلى مكان على وجه مشروع صار حكمه حكم أهله، وهنا لما وصل إلى مكة محرما بالعمرة وفرغ منها صار في حكم المكي سواء ساق الهدي أم لا، فإذا أراد الإحرام بالحج فميقاته الحرم أو العمرة فالحل، ومثل ذلك يقال في الحلي، وهو من كان داخل المواقيت فإن ميقاته للحج أو العمرة الحل، فإذا أحرم من الحرم فعليه دم إلا أن يعود كما مر عن ح وصرح به هناك في النهر واللباب ‏(‏قوله وكذا لو أحرما‏)‏ أي المكي والمتمتع الذي في حكمه، فإن ميقات المكي للعمرة الحل ‏(‏قوله وبالعود‏)‏ أراد به مطلق الذهاب إلى الميقات الواجب ليشمل قوله وكذا لو أحرما بعمرة من الحرم فإن الواجب خروجهما إلى الحل ليسقط الدم؛ وليس فيه عود إليه بعد الكينونة فيه ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي عودا مماثلا لما مر في الآفاقي بأن يعود إلى الميقات ثم يحرم إن لم يكن أحرم، وإن كان أحرم ولم يشرع في نسك يعود إليه ويلبي‏.‏

‏(‏قوله أي آفاقي‏)‏ أفاد أن المراد بالكوفي كل من كان خارج المواقيت ‏(‏قوله البستان‏)‏ أي بستان بني عامر‏:‏ وهو موضع قريب من مكة داخل الميقات خارج الحرم، وهي التي تسمى الآن نخلة محمود بن كمال‏.‏ زاد غيره أن منه إلى مكة أربعة وعشرين ميلا‏.‏ قال بعض المحشين‏:‏ قال النووي‏:‏ قال بعض أصحابنا‏:‏ هذه القرية على يسار مستقبل الكعبة إذا وقف بأرض عرفات‏.‏ وفي غاية السروجي‏:‏ بالقرب من جبل عرفات على طريق العراق والكوفة إلى مكة ‏(‏قوله أي مكانا من الحل‏)‏ أشار إلى أن البستان غير قيد؛ وأن المراد مكان داخل المواقيت من الحل‏.‏ والظاهر أنه لا يشرط أن يقصد مكانا معينا لأن الشرط عدم قصد دخول الحرم عند المجاوزة؛ فأي مكان قصده من داخل المواقيت حصل المراد كما سيتضح فافهم ‏(‏قوله لحاجة‏)‏ كذا في البدائع والهداية والكنز وغيرها، وهو احتراز عما إذا أراد دخول مكان من الحل لمجرد المرور إلى مكة فإنه لا يحل له إلا محرما فلا بد من هذا القيد، وإلا فكل آفاقي أراد دخول مكة لا بد له من دخول مكان في الحل‏.‏ على أنه في البحر جعل الشرط قصده الحل من حين خروجه من بيته‏:‏ أي ليكون سفره لأجله لا لدخول الحرم كما يأتي، ولذا قال ابن الشلبي في شرحه ومنلا مسكين لحاجة له بالبستان لا لدخول مكة، ويأتي توضيحه فافهم قوله ولو عند المجاوزة‏)‏ الظرف متعلق بقصدها أي ولو كان قصد الحاجة التي هي علة إرادته دخول البستان عند مجاوزة الميقات، أما بعد المجاوزة فلا يعتبر قصد الحاجة لكونه عند المجاوزة كان قاصدا مكة فلا يسقط الدم ما لم يرجع‏.‏ وأفاد أنه لو قصد دخول البستان لحاجة قبل المجاوزة فهو كذلك بالأولى وإن قصده لذلك من حين خروجه من بيته غير شرط، خلافا لما في البحر حيث قال عقب ذكره إن ذلك حيلة لآفاقي أراد دخول مكة بلا إحرام، ولم أر أن هذا القصد لا بد منه حين خروجه من بيته أولا‏.‏ والذي يظهر هو الأول، فإنه لا شك أن الآفاقي يريد دخول الحل الذي بين الميقات والحرم وليس ذلك كافيا فلا بد من وجود قصد مكان مخصوص من الحل الداخل الميقات حين يخرج من بيته‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله أن الشرط أن يكون سفره لأجل دخول الحل وإلا فلا تحل له المجاوزة بلا إحرام‏.‏ قال في النهر‏:‏ الظاهر أن وجود ذلك القصد عند المجاوزة كاف، ويدل على ذلك ما في البدائع بعد ما ذكر حكم المجاوزة بغير إحرام قال‏:‏ هذا إذا جاوز أحد هذه المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة أو دخول مكة أو الحرم بغير إحرام، فأما إذا لم يرد ذلك وإنما أراد أن يأتي بستان بني عامر أو غيره لحاجة فلا شيء عليه ا هـ‏.‏ فاعتبر الإرادة عند المجاوزة كما ترى ا هـ‏.‏ أي إرادة الحج ونحوه و إرادة دخول البستان، فالإرادة عند المجاوزة معتبرة فيهما‏.‏ ولذا ذكر الشارح ذلك في الموضعين كما قدمناه فافهم‏.‏ وقول البحر فلا بد من وجود قصد مكان مخصوص من الحل غير ظاهر، بل الشرط قصد الحل فقط تأمل ‏(‏قوله على ما مر‏)‏ أي قريبا في قوله ظاهر ما في النهر عن البدائع إلخ ‏(‏قوله على المذهب‏)‏ مقابله ما قاله أبو يوسف إنه إن نوى إقامة خمسة عشر يوما في البستان فله دخول مكة بلا إحرام وإلا فلا ح عن البحر ‏(‏قوله له دخول مكة غير محرم‏)‏ أي إذا أراد دخول البستان لحاجة لا لدخول مكة ثم بدا له دخول مكة لحاجة له دخولها غير محرم كما في شرح ابن الشلبي ومنلا مسكين‏.‏ قال في الكافي لأن وجوب الإحرام عند الميقات على من يريد دخول مكة وهو لا يريد دخولها، وإنما يريد البستان وهو غير مستحق التعظيم فلا يلزمه الإحرام بقصد دخوله‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا إذا أراد دخول مكة لحاجة غير النسك وإلا فلا يجاوز ميقاته إلا بإحرام، ولذا قال قبيل فصل الإحرام عند ذكر المواقيت‏:‏ وحل لأهل داخلها دخول مكة غير محرم ما لم يرد نسكا ‏(‏قوله ووقته البستان‏)‏ أي لو أراد النسك فميقاته للحج أو العمرة البستان، يعني جميع الحل الذي بين المواقيت والحرم كما مر في بحث المواقيت فلو أحرم من الحرم لزمه دم ما لم يعد كما قدمناه قريبا عن النهر واللباب، إلا إذا دخل الحرم لحاجة ثم أراد النسك فإنه يحرم من الحرم لأنه صار مكيا كما مر ‏(‏قوله ولا شيء عليه‏)‏ مرتبط بقوله له دخول مكة غير محرم، فكان الأولى ذكره قبل قوله ووقته البستان ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي قبيل فصل الإحرام حيث قال‏:‏ أما لو قصد موضعا من الحل كخليص وحدة حل له مجاوزته بلا إحرام، فإذا حل به التحق بأهله‏.‏ فله دخول مكة بلا إحرام ‏(‏قوله هذه حيلة لآفاقي إلخ‏)‏ أي إذا لم يكن مأمورا بالحج عن غيره كما قدمه الشارح هناك وقدمنا الكلام عليه‏.‏ ثم إن هذه الحيلة مشكلة لما علمت من أنه لا يجوز له مجاوزة الميقات بلا إحرام ما لم يكن أراد دخول مكان في الحل لحاجة، وإلا فكل آفاقي يريد دخول مكة لا بد أن يريد دخول الحل وقدمنا أن التقييد بالحاجة احتراز عما لو كان عند المجاوزة يريد دخول مكة وإنه إنما يجوز له دخولها بلا إحرام إذا بدا له بعد ذلك دخولها كما قدمناه عن شرح ابن الشلبي ومنلا مسكين‏.‏ فعلم أن الشرط لسقوط الإحرام أن يقصد دخول الحل فقط، ويدل عليه أيضا ما نقلناه عن الكافي من قوله وهو لا يريد دخولها أي مكة، وإنما يريد البستان، وكذا ما نقلناه عن البدائع من قوله فأما إذا لم يرد ذلك وإنما أراد أن يأتي بستان بني عامر، وكذا قوله في اللباب‏:‏ ومن جاوز وقته يقصد مكانا من الحل ثم بدا له أن يدخل مكة فله أن يدخلها بغير إحرام فقوله ثم بدا له أي ظهر وحدث له يقتضي أنه لو أراد دخول مكة عند المجاوزة يلزمه الإحرام وإن أراد دخول البستان لأن دخول مكة لم يبد له بل هو مقصوده الأصلي، وقد أشار في البحر إلى هذا الإشكال وأشار إلى جوابه بما تقدم عنه من أنه لا بد أن يكون قصد البستان من حين خروجه من بيته‏:‏ أي بأن يكون سفره المقصود لأجل البستان لا لأجل دخوله مكة كما قدمناه‏.‏ وأجاب أيضا في شرح اللباب بقوله والوجه في الجملة أن يقصد البستان قصدا أوليا، ولا يضره دخول الحرم بعده قصدا ضمنيا أو عارضيا، كما إذا قصد هندي جدة لبيع وشراء أولا ويكون في خاطره أنه إذا فرغ منه أن يدخل مكة ثانيا، بخلاف من جاء من الهند بقصد الحج أولا ويقصد دخول جدة تبعا ولو قصد بيعا وشراء‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو قريب من جواب البحر لأن حاصله أن يكون المقصود من سفره البيع والشراء في الحل ويكون دخول مكة تبعا، لكن ينافيه قولهم ثم بدا له دخول مكة فإنه يفيد أنه لا بد أن يكون دخولها عارضا غير مقصود لا أصالة ولا تبعا، بل يكون المقصود دخول الحل فقط كما هو ظاهر جواب البحر وكلام الكافي والبدائع واللباب وغيرها، وهذا مناف لقولهم إنه الحيلة لآفاقي يريد دخول مكة بلا إحرام لأنه إذا كان قصده دخول الحل فقط لم يحتج إلى حيلة إذا بدا له دخول مكة، على أن هذا أيضا فيمن أراد دخول مكة لحاجة غير النسك؛ أما لو أراد النسك فلا يحل له دخولها بلا إحرام لأنه إذا صار من أهل الحل فميقاته ميقاتهم وهو الحل كما مر مرارا، فكيف من خرج من بيته لأجل الحج فافهم‏.‏

‏(‏قوله ويجب على من دخل مكة‏)‏ أي والحرم سواء قصد التجارة أو النسك أم غيرهما كما تفيده عبارة البدائع السابقة وتقدم التصريح به شرحا ومتنا قبيل فصل الإحرام، وصرح به في اللباب أيضا ‏(‏قوله فلو عاد‏)‏ أي إلى الميقات كما قيد به في الهداية، لكن في البدائع أنه إذا أقام بمكة حتى تحولت السنة يجزئه ميقات أهل مكة وهو الحرم للحج والحل للعمرة لأنه لما أقام بمكة صار في حكم أهلها‏.‏ ا هـ‏.‏ والتعليل يفيد أن تحول السنة غير قيد كذا في الفتح، ثم التقييد بالخروج إلى الميقات لأجل سقوط الدم لا للإجزاء لأن الواجب عليه بدخول مكة بلا إحرام أمران‏:‏ الدم والنسك وبه يحصل التوفيق كما أفاده في الشرنبلالية ‏(‏قوله عن آخر دخوله‏)‏ أي وعليه قضاء ما بقي لباب ‏(‏قوله وتمامه في الفتح‏)‏ حيث علل ذلك بأن الواجب قبل الأخير صار دينا في ذمته فلا يسقط إلا بالتعيين بالنية‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله وصح منه إلخ‏)‏ أي إذا دخل مكة بلا إحرام ولزمه بذلك حجة أو عمرة فخرج إلى الميقات وأحرم بحجة أو عمرة واجبة عليه بسبب آخر فإنه يجزئه ذلك عما لزمه بالدخول وإن لم ينوه إذا كان ذلك في عام الدخول لا بعده ‏(‏قوله من حجة الإسلام إلخ‏)‏ احترز به عما لو أحرم عما عليه بسبب الدخول، فإنه قدمه في قوله فإن عاد إلخ‏.‏ والظاهر أنه لو عاد إلى الميقات ونوى نسكا نفلا يقع واجبا عما عليه بالدخول، ولا يكون نفلا لأنه بعد تقرر الوجوب عليه، بخلاف ما إذا نواه نفلا قبل مجاوزة الميقات فإنه يقع نفلا لعدم وجوب شيء عليه بعد لحصول المقصود من تعظيم البقعة بالإحرام كما حققناه أول الحج فافهم ‏(‏قوله في عامه ذلك إلخ‏)‏ أي عام الدخول قال في الهداية لأنه تلافى المتروك في وقته لأن الواجب عليه تعظيم هذه البقعة بالإحرام إذا أتاه‏:‏ أي الميقات محرما بحجة الإسلام في الابتداء، بخلاف ما إذا تحولت السنة لأنه صار دينا في ذمته فلا يتأدى إلا بإحرام مقصود كما في الاعتكاف المنذور، فإنه يتأدى بصوم رمضان في هذه السنة دون العام الثاني‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ولقائل أن يقول‏:‏ لا فرق بين سنة المجاوزة وسنة أخرى، ففي أي وقت فعل ذلك يقع أداء إذ الدليل لم يوجب ذلك في سنة معينة ليصير بفواتها دينا يقضى، فمهما أحرم من الميقات بنسك عليه تأدى هذا الواجب في ضمنه، وعلى هذا إذا تكرر الدخول بلا إحرام منه ينبغي أن لا يحتاج إلى التعيين كمن عليه يومان من رمضان فنوى مجرد قضاء ما عليه ولم يعين، وكذا لو كانا من رمضانين على الأصح، وكذا نقول إذا رجع مرارا فأحرم كل مرة بنسك حتى أتى على عدد دخلاته خرج عن عهدة ما عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ وأقره في البحر ‏(‏قوله لصيرورته‏)‏ أي المتروك دينا، وعلمت ما فيه من بحث الفتح‏.‏ وأورد عليه أيضا أنه ينبغي أن تسقط العمرة الواجبة بدخول مكة غير محرم بالعمرة المنذورة في السنة الثانية كالمنذورة في الأولى لأن العمرة لا تصير دينا لعدم توقتها بوقت معين، بخلاف الحج‏.‏ وأجاب في غاية البيان بأن تأخير العمرة إلى أيام النحر والتشريق مكروه، فإذا أخرها إليها صار كالمفوت لها فصارت دينا ا هـ‏.‏ وأقره في البحر‏.‏ ولا يخفى ما فيه، فإن المكروه فعلها في تلك الأيام لا بعدها تأمل ‏(‏قوله فأحرم بعمرة‏)‏ يعلم منه ما إذا أحرم بحجة بالأولى نهر فافهم ‏(‏قوله لترك الوقت‏)‏ مصدر مضاف إلى مكانه أي لترك إحرامه في الميقات ‏(‏قوله لجبره بالإحرام منه في القضاء‏)‏ علة لقوله ولا دم عليه إلخ وضمير منه للوقت أشار به إلى أنه لا بد في سقوط الدم من إحرامه في القضاء من الميقات كما صرح به في البحر، فلو أحرم من الميقات المكي لم يسقط الدم وهو مستفاد أيضا مما قدمناه عن الشرنبلالية‏.‏

‏(‏قوله مكي طاف لعمرته إلخ‏)‏ شروع في الجمع بين إحرامين، وهو في حق المكي ومن بمعناه جناية دون الآفاقي إلا في إضافة إحرام العمرة إلى الحج فبالاعتبار الأول ذكره في الجنايات، وبالاعتبار الثاني جعل له في الكنز بابا على حدة‏.‏ ثم اعلم أن أقسامه أربعة‏:‏ إدخال إحرام الحج على العمرة، والحج على مثله، والعمرة على مثلها، والعمرة على الحج؛ قدم الأول لكونه أدخل في الجناية، ولذا لم يسقط به الدم بحال، ثم ذكر الثاني مقدما له على غيره لقوة حاله لاشتماله على ما هو فرض، ثم الثالث على الرابع لما فيه من الاتفاق في الكيفية والكمية نهر ‏(‏قوله ومن بحكمه‏)‏ أشار إلى ما في النهر من أن المراد بالمكي غير الآفاقي، فشمل كل من كان داخل المواقيت من الحلي والحرمي فافهم، فالاحتراز بالمكي عن الآفاقي لأنه لا يرفض واحدا منهما غير أنه إن أضاف بعد فعل الأقل كان قارنا وإلا فهو متمتع إن كان ذلك في أشهر الحج كما مر نهر ‏(‏قوله أي أقل أشواطها‏)‏ يفيد أن الشوط ليس بقيد، وأطلقه فشمل ما إذا كان في أشهر الحج أو لا كما في البحر عن المبسوط‏.‏ وفي النهر عن الفتح‏:‏ ولو طاف الأكثر في غير أيام الحج، ففي المبسوط أن عليه الدم أيضا لأنه أحرم بالحج قبل الفراغ من العمرة، وليس للمكي أن يجمع بينهما، فإذا صار جامعا من وجه كان عليه الدم‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه أيضا قيد بالعمرة لأنه لو أهل بالحج وطاف له ثم بالعمرة رفضها اتفاقا، وبكونه طاف لأنه لو لم يطف رفضها أيضا اتفاقا، وبالأقل لأنه لو أتى بالأكثر رفضه أي الحج اتفاقا‏.‏ وفي المبسوط أنه لا يرفض واحدا منهما، وجعله الإسبيجابي ظاهر الرواية ‏(‏قوله رفضه‏)‏ أي تركه من باب طلب وضرب كما في المغرب، وهذا‏:‏ أي رفض الحج أولى عند الإمام‏.‏ وعندهما الأولى رفض العمرة لأنها أدنى حالا‏.‏ وله أن إحرامها تأكد بأداء شيء من أعمالها، ورفض غير المتأكد أيسر ولأن في رفضها إبطال العمل وفي رفضه امتناعا عنه أفاده في البحر ‏(‏قوله وجوبا‏)‏ مخالف لما في البحر حيث قال بعد ما مر، وقد ظهر أن رفض الحج مستحب لا واجب ا هـ‏.‏ أي وإنما الواجب رفض أحدهما لا بعينه ‏(‏قوله بالحلق‏)‏ أي مثلا‏.‏ قال في البحر‏:‏ ولم يذكر بماذا يكون رافضا، وينبغي أن يكون الرفض بالفعل بأن يحلق مثلا بعد الفراغ من أفعال العمرة ولا يكفي بالقول أو بالنية لأنه جعله في الهداية تحللا وهو لا يكون إلا بفعل شيء من محظورات الإحرام‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفي اللباب‏:‏ كل من عليه الرفض يحتاج إلى نية الرفض إلا من جمع بين حجتين قبل فوات الوقوف أو بين العمرتين قبل السعي للأولى، ففي هاتين الصورتين ترتفض إحداهما من غير نية رفض، لكن إما بالسير إلى مكة أو الشروع في أعمال أحدهما ا هـ‏.‏ فعلم من مجموع ما في البحر واللباب أنه لا يحصل إلا بفعل شيء من محظورات الإحرام مع نية الرفض به، وما قدمناه أوائل الجنايات عند قوله وبترك أكثره بقي محرما من أن المحرم إذا نوى رفض الإحرام فصنع ما يصنعه الحلال من لبس وحلق ونحوهما لا يخرج به من الإحرام وأن نية الرفض باطلة، فهو محمول على ما إذا لم يكن مأمورا بالرفض كما نبهنا عليه هناك، وقيد بكون الحلق بعد الفراغ من العمرة لئلا يكون جناية على إحرامها ‏(‏قوله لأنه كفائت الحج‏)‏ وحكمه أن يتحلل بعمرة ثم يأتي بالحج من قابل ط ‏(‏قوله حتى لو حج‏)‏ غاية للتعليل المفيد أنه قضاه في غير عامه ط ‏(‏قوله سقطت العمرة‏)‏ لأنه حينئذ ليس في معنى فائت الحج بل كالمحصر إذا تحلل ثم حج من تلك السنة، فإنه حينئذ لا تجب عليه عمرة، بخلاف ما إذا تحولت السنة ط وبحر ‏(‏قوله ولو رفضها‏)‏ أي العمرة التي طاف لها وأدخل عليها الحج ‏(‏قوله قضاها‏)‏ أي ولو في ذلك العام لأن تكرار العمرة في سنة واحدة جائز بخلاف الحج، أفاده صاحب الهندية ط ‏(‏قوله فقط‏)‏ أي ليس عليه عمرة أخرى كما في الحج، وليس مراده نفي الدم‏.‏ لقول الهداية‏:‏ وعليه دم بالرفض أيهما رفض‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله صح‏)‏ لأنه أدى أفعالهما كما التزم نهر ‏(‏قوله وأساء‏)‏ أي مع الإثم، لما صرحوا به من أن المكي منهي عن الجمع بينهما وأنه يأثم به، وقدمنا الاختلاف في أن الإساءة دون الكراهة وفوقها والتوفيق بينهما فافهم ‏(‏قوله وذبح‏)‏ أي لتمكن النقصان من نسكه بارتكاب المنهي عنه لأنه قارن، ولو أضاف بعد فعل الأكثر في أشهر الحج فمتمتع، ولا تمتع ولا قران لمكي كما مر، وهذا يؤيد قول من قال إن نفي التمتع والقران لمكي معناه نفي الحل كما مر نهر‏:‏ أي لا نفي الصحة‏.‏ قلت‏:‏ وقد مر ذلك في باب التمتع، وقدمنا هناك تحقيق قول ثالث، وهو أن تمتع المكي باطل وقرانه صحيح غير جائز فتذكره بالمراجعة‏.‏ ‏(‏قوله وهو دم جبر‏)‏ لأن كل دم يجب بسبب الجمع أو الرفض، فهو دم جبر وكفارة فلا يقوم الصوم مقامه وإن كان معسرا، ولا يجوز له أن يأكل منه ولا أن يطعمه غنيا، بخلاف دم الشكر، شرح اللباب‏.‏

‏(‏قوله ومن أحرم بحج إلخ‏)‏ شروع في القسم الثاني والثالث أعني إدخال الحج على مثله والعمرة على مثلها‏.‏ واعلم أن الإحرام بحجتين فصاعدا، إما أن يكون على التراخي، أو معا، أو على التعاقب؛ فالأول ما ذكره في المتن ولذا أتى بثم‏.‏ وأما الأخيران، ففي النهر يلزمه الحجتان عند الإمام‏.‏ والثاني‏:‏ لكن يرتفض أحدهما إذا توجه سائرا في ظاهر الرواية‏.‏ وقال الثاني‏:‏ عقب صيرورته محرما بلا مهلة، وأثر الخلاف يظهر فيما إذا جنى قبل الشروع‏.‏ وقال محمد‏:‏ يلزمه في المعية أحدهما وفي التعاقب الأول فقط، والعمرتان كالحجتين‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وأثر الخلاف لزوم دمين بالجناية عندهما، ودم واحد عند محمد كما في البدائع‏.‏ واستشكله في شرح اللباب بأنه عند الثاني يرتفض أحدهما عقب الإحرام بلا مكث أي فلم تكن الجناية عنده على إحرامين بل على واحد، فيلزمه بالجناية دم واحد كقول محمد ‏(‏قوله ثم أحرم يوم النحر بآخر‏)‏ قيد بكونه يوم النحر؛ لأنه لو أحرم بعرفات ليلا أو نهارا رفض الثانية وعليه دم الرفض وحجة وعمرة، ثم عند الثاني يرتفض كما مر، وعند الأول بوقوفه كما في المحيط‏.‏ وينبغي أنه لو أحرم ليلة النحر بعد الوقوف نهارا أن يرتفض بالوقوف بالمزدلفة لا بعرفة لأنه سابق بحر، لكن قياس ظاهر الرواية المتقدم أن تبطل بالمسير إليها نهر ‏(‏قوله فإن كان قد حلق للأول‏)‏ أي لحجه الأول قبل إحرامه بالثاني ‏(‏قوله لزمه الآخر‏)‏ أي فيبقى محرما إلى أن يؤديه في العام القابل لباب ‏(‏قوله لانتهاء الأول‏)‏ لأن الباقي بعد الحلق الرمي، وبذلك لا يصير جانيا بالإحرام ثانيا نهر‏.‏ ومقتضاه أن الإحرام الثاني وقع بعد الحلق وبعد طواف الزيارة أيضا، وأنه لو أحرم بعد الحلق قبل الطواف لزمه دم الجمع لأن الإحرام الأول بقي في حق حرمة النساء، وبه صرح الكرماني؛ لكن المتبادر من المتن وغيره كالهداية وشروحها والكافي خلافه، لإطلاقهم نفي الدم بعد الحلق من غير تقييد بما بعد الطواف أيضا، لكن قال في شرح اللباب إن إطلاقهم لا ينافي تقييد الكرماني ا هـ‏.‏ أي فيحمل المطلق على المقيد‏.‏ قلت‏:‏ لكن ما في الكرماني مبني على وجوب دم للجمع بين إحرامي الحج كإحرامي العمرة ويأتي الكلام فيه قريبا ‏(‏قوله فمع دم‏)‏ الفاء داخلة على مقدر أي فيلزمه الآخر مع دم ‏(‏قوله قصر أو لا‏)‏ أي إذا لم يحلق للأول ثم أحرم بالثاني لزمه دم، سواء حلق عقب الإحرام الثاني أو لا بل أخره حتى حج في العام القابل، وهذا عنده، وهما يخصان الوجوب بما إذا حلق لأنهما لا يوجبان بالتأخير شيئا كما في البحر ‏(‏قوله عبر به إلخ‏)‏ أشار إلى أن التقصير غير قيد، وإنما عبر به ليشمل المرأة، لكن فيه أنه عبر قبله بالحلق‏.‏ وقد يقال إنه من قبيل الاحتباك، وهو أن يصرح في كل موضع بما سكت عنه في الآخر ليفيد إرادة كل مع الاختصار‏.‏ وما في النهر من أن المراد هنا بالتقصير الحلق إذ التقصير لا دم فيه إنما فيه الصدقة فقد قدمنا أول الجنايات أن الصواب خلافه فافهم ‏(‏قوله لجنايته على إحرامه‏)‏ أي إحرام الحجة الثانية، أما إحرام الحجة الأولى فقد انتهى بهذا التقصير فلا جناية عليه، وقوله أو التأخير عطف على مدخول اللام لا على التقصير لأن تأخير الحلق عن أيام النحر ترك واجب جناية على الإحرام؛ ولو أسقط قوله على إحرامه لكان أولى، وأشار بجعل العلة لوجوب الدم أحد هذين إلى أنه لا يلزمه دم للجمع بين إحرامي الحجين لأنه ليس جناية كما يأتي‏.‏

أفاده قوله ومن أتى بعمرة إلا الحلق إلخ‏)‏ قدمنا أن الحكم في الجمع بين العمرتين كالجمع بين الحجتين أي في اللزوم والرفض ووقته مما يتصور في العمرة كما في اللباب‏.‏ ثم قال‏:‏ فلو أحرم بعمرة فطاف لها شوطا أو كله أو لم يطف شيئا ثم أحرم بأخرى لزمه رفض الثانية وقضاؤها ودم للرفض؛ ولو طاف وسعى للأولى ولم يبق عليه إلا الحلق فأهل بأخرى لزمته ولا يرفضها وعليه دم الجمع، وإن حلق للأولى قبل الفراغ من الثانية لزمه دم آخر، ولو بعده لا؛ ولو أفسد الأولى أي بأن جامع قبل طوافها فأهل بالثانية رفضها ويمضي في الأولى، ولو نوى رفض الأولى وأن يكون عمله للثانية لم ينفعه وكذا هذا في الحجتين ا هـ‏.‏ لكن قدمنا عنه أنه لو جمع بين عمرتين قبل السعي للأولى ترتفض إحداهما بالشروع من غير نية رفض؛ فقوله هنا لزمه رفض الثانية فيه نظر فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله فيلزم الدم‏)‏ أي لجناية الجمع ولا دم لتأخير الحلق هنا لأنه في العمرة غير موقت بالزمان كما مر إلا إذا حلق قبل الفراغ من الثانية فيلزم دم آخر كما علمته آنفا ‏(‏قوله لا لحجتين‏)‏ عطف على العمرتين؛ وقوله فلا يلزم أي دم الجمع، بل يلزم دم التأخير أو التقصير فقط كما مر وقد تبع الشارح في ذلك صاحب البحر حيث قال‏:‏ وصرح في الهداية بأنه أي الجمع بين إحرامي حجين أو عمرتين بدعة، وأفرط في غاية البيان بقوله إنه حرام لأنه بدعة وهو سهو، لما في المحيط والجمع بين إحرامي الحج لا يكره في ظاهر الرواية لأنه في العمرة إنما كره لأنه يصير جامعا بينهما في الفعل لأنه يؤديهما في سنة واحدة، بخلاف الحج ا هـ‏.‏ فلذا فرق المصنف بين الحج والعمرة تبعا للجامع الصغير فإنه أوجب دما واحدا للحج‏.‏ وقال بعض المشايخ‏:‏ يجب دم آخر للجمع اتباعا لرواية الأصل وقد علمت أن الفرق بينهما ظاهر الرواية، هذا خلاصة ما في البحر‏.‏ أقول‏:‏ وفي المعراج عن الكافي‏:‏ قيل لا خلاف بين الروايتين‏:‏ أي رواية الجامع الصغير ورواية الأصل لأنه سكت في الجامع عن إيجاب الدم للجمع وما نفاه، وقيل بل فيه روايتان‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح اللباب وقالوا‏:‏ فيه روايتان أصحهما الوجوب، وبه صرح التمرتاشي وغيره، وقيل ليس إلا رواية الوجوب‏.‏ قال ابن الهمام وهو الأوجه‏.‏ ا هـ‏.‏ وتعقب ابن الهمام ما في المحيط بأن كونه يتمكن من أداء العمرة الثانية في سنة لا يوجب الجمع بينهما فعلا، فاستوى الحج والعمرة‏.‏ قلت‏:‏ وكتاب الأصل، وهو المبسوط من كتب ظاهر الرواية أيضا فلذا صححوا رواية الوجوب بناء على تحقق اختلاف الرواية وإلا فالأصل عدمه، فإن كلا من الأصل والجامع من كتب الإمام محمد فالظاهر أن ما أطلقه في أحدهما محمول على ما قيده في الآخر، فلذا استوجبه في الفتح أنه ليس ثمة إلا رواية الوجوب ويؤيده ما مر من كلام الهداية وغاية البيان، فقوله في البحر إنه سهو مما لا ينبغي، كيف وقد قال في التتارخانية‏:‏ الجمع بين إحرام الحج والعمرة بدعة‏.‏ وفي الجامع الصغير‏:‏ العتابي حرام لأنه من أكبر الكبائر، هكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله آفاقي إلخ‏)‏ شروع في القسم الرابع ‏(‏قوله ثم أحرم بعمرة‏)‏ أي قبل أن يشرع في طواف القدوم لباب، ويدل عليه المقابلة بقوله فإن طاف له‏:‏ أي شرع فيه ولو قليلا كما تعرفه قريبا وقدمناه في أول باب القران، ولم يتقدم خلافه فافهم ‏(‏قوله لزماه‏)‏ لأن الجمع بينهما مشروع في حق الآفاقي فيصير بذلك قارنا لكنه أخطأ السنة فيصير مسيئا هداية لأن السنة في القران أن يحرم بهما معا أو يقدم إحرام العمرة على إحرام الحج زيلعي لكن الثاني يسمى تمتعا عرفا ‏(‏قوله وصار قارنا مسيئا‏)‏ قال في شرح اللباب‏:‏ وعليه دم شكر لقلة إساءته ولعدم وجوب رفض عمرته‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ والأولى أن يقول ولعدم ندب رفض عمرته، بخلاف ما إذا أحرم لها بعد طواف القدوم للحج فإنه يندب رفضها كما يأتي ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي في أوائل باب القران ‏(‏قوله ولذا بطلت عمرته‏)‏ المناسب أن يقدم عليه قوله الآتي لأنها لم تشرع إلخ لأن كونه صار قارنا مسيئا معلل بكون العمرة لم تشرع مرتبة على الحج، وبطلان عمرته بالوقوف مفرع على هذا التعليل كما يعلم من الهداية وغيرها فافهم ‏(‏قوله بالوقوف‏)‏ أي إذا وقف بعرفة قبل أن يدخل مكة فقد صار رافضا لعمرته بالوقوف، وإن توجه إلى عرفات ولم يقف بها بعد لا يصير رافضا لأنه يصير قارنا زيلعي، والمراد أنه أحرم بالعمرة ولم يأت بأكثر أشواطها حتى وقف بعرفات، فالإتيان بالأقل كالعدم بحر، فالمراد بقوله قبل أفعالها أكثر أشواطها ‏(‏قوله فإن طاف له‏)‏ أي للحج ولو شوطا كما ذكره في البحر في باب القران‏.‏ وقال في الفتح‏:‏ وإن أدخل إحرام العمرة على إحرام الحج، فإن كان قبل أن يطوف شيئا من طواف القدوم فهو قارن مسيء وعليه دم شكر، وإن كان بعد ما شرع فيه ولو قليلا فهو أكثر إساءة وعليه دم ا هـ‏.‏ وقدمنا مثله في باب القران عن اللباب وشرحه فهذا نص صريح في وجوب الدم في الصورتين، وأن الأول دم شكر أي اتفاقا والثاني دم جبر أو شكر على الخلاف الآتي وفي أن المراد بالطواف فيهما الشروع فيه ولو شوطا فافهم‏.‏ وأما ما قدمناه آنفا عن البحر من أن الأقل كالعدم فذاك في طواف العمرة، والكلام في طواف الحج فافهم ‏(‏قوله فمضى عليهما‏)‏ قال الزيلعي المراد بالمضي عليها أن يقدم أفعال العمرة على أفعال الحج لأنه قارن على ما بينا ولكنه أساء أكثر من الأول حيث أخر إحرام العمرة على طواف الحج أي طواف القدوم غير أنه ليس بركن فيه فيمكنه أن يأتي بأفعال العمرة ثم بأفعال الحج ويجب عليه دم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وهو دم جبر‏)‏ أي على ما اختاره فخر الإسلام ودم شكر على ما اختاره شمس الأئمة‏.‏ وثمرته تظهر في جواز الأكل زيلعي وصحح الأول في الهداية واختار الثاني في الفتح وقواه وأطال الكلام فيه بحر‏.‏ قلت‏:‏ وكذا اختاره في اللباب، وعبر عن الأول بقيل ‏(‏قوله لتأكده بطوافه‏)‏ أي لأن إحرام الحج قد تأكد بشيء من أعماله، بخلاف ما إذا لم يطف للحج هداية أي فإنه لا يستحب له رفضها لعدم تأكده لأنه لم يقدم إلا الإحرام، ولا ترتيب فيه، أما هنا فقد فاته الترتيب من وجه لتقديم طواف القدوم، وإنما لم يجب الرفض لأن المؤدى ليس بركن الحج كما في الزيلعي ‏(‏قوله قضى‏)‏ أي العمرة، وقوله لصحة الشروع‏:‏ أي وهي مما يلزم بالشروع ط‏.‏

‏(‏قوله حج إلخ‏)‏ من تتمة المسألة التي قبلها لأن ما مر فيما إذا أدخل العمرة على الحج قبل الوقوف بعد الشروع في طواف القدوم أو قبله، وهذا فيما لو أدخلها بعد الوقوف قبل الحلق أو طواف الزيارة أو بعده في يوم النحر أو أيام التشريق كما أفاده في اللباب وصرح فيه بأنه لا يكون قارنا لكنه خلاف ظاهر ما يأتي ‏(‏قوله بالشروع‏)‏ لأن الشروع فيها ملزم كما مر ‏(‏قوله ورفضت‏)‏ حكى فيه خلافا في الهداية بقوله وقيل إذا حلق للحج ثم أحرم لا يرفضها على ظاهر ما ذكر في الأصل، وقيل برفضها احترازا عن النهي‏.‏ قال الفقيه أبو جعفر ومشايخنا على هذا ا هـ‏.‏‏:‏ أي على وجوب الرفض وإن كان بعد الحلق وصححه المتأخرون لأنه بقي عليه واجبات من الحج كالرمي وطواف الصدر وسنة المبيت‏.‏ وقد كرهت العمرة في هذه الأيام، فيكون بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج بلا ريب كذا في الفتح‏.‏ قلت‏:‏ وظاهره أنه قارن مسيء تأمل ‏(‏قوله صح‏)‏ لأن الكراهة لمعنى في غيرها وهو كونه مشغولا في هذه الأيام بأداء بقية أعمال الحج هداية ‏(‏قوله لارتكاب الكراهة‏)‏ أي لجمعه بينهما إما في الإحرام أو في الأعمال الباقية هداية‏:‏ أي في الإحرام إن أحرم بالعمرة قبل الحلق، وفي الأعمال إن أحرم بعده معراج ويلزم من الأول الثاني بلا عكس‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في شرح اللباب بعد تقرير حكم المسألة ومنه يعلم مسألة كثيرة الوقوع لأهل مكة وغيرهم أنهم قد يعتمرون قبل أن يسعوا لحجهم‏.‏ ا هـ‏.‏ أي فيلزمهم دم الرفض أو دم الجمع لكن مقتضى تقييدهم الإحرام بالعمرة يوم النحر أو أيام التشريق أنه لو كان بعد هذه الأيام لا يلزم الدم لكن يخالفه ما علمته من تعليل الهداية فالسعي وإن جاز تأخيره عن أيام النحر والتشريق، لكنه إذا أحرم بالعمرة قبله يصير جامعا بينها وبين أعمال الحج‏.‏ ويظهر لي أن العلة في الكراهة ولزوم الرفض هي الجمع أو وقوع الإحرام في هذه الأيام فأيهما وجد كفى لكن لما كانت هذه الأيام هي أيام أداء بقية أعمال الحج على الوجه الأكمل قيدوا بها كما يشير إليه ما قدمناه عن الهداية؛ وكذا قوله فيها معللا للزوم الرفض لأنه قد أدى ركن الحج فيصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج من كل وجه وقد كرهت العمرة في هذه الأيام أيضا فلهذا يلزمه رفضها ا هـ‏.‏ فنقوله و قد كرهت إلخ بيان للعلة الأخرى ولما لم يأت بها على طريق التعليل كما أتى بما قبلها صرح بكونها علة أيضا بقوله فلذا يلزمه رفضها ‏(‏قوله فائت الحج إلخ‏)‏ من تتمة ما قبله أيضا ولذا قال في الهداية فاته فإن الحج بالفاء التفريعية فهو إشارة إلى أن ما مر من المنع عن الجمع لا فرق فيه بين من أدرك الحج ومن فاته ‏(‏قوله به أو بها‏)‏ أي بالحج أو بالعمرة ‏(‏قوله لأن الجمع إلخ‏)‏ بيانه أن فائت الحج حاج إحراما لأن إحرام الحج باق ومعتمر أداء لأنه يتحلل بأفعال العمرة من غير أن ينقلب إحرامه إحرام العمرة فإذا أحرم بحجة يصير جامعا بين الحجتين إحراما وهو بدعة فيرفضها، وإن أحرم بعمرة يصير جامعا بين العمرتين أفعالا وهو بدعة أيضا فيرفضها، كذا في الزيلعي وغيره‏.‏ واعلم أن في كلام الشارح هنا أمرين‏.‏ الأول‏:‏ أنه كان ينبغي أن يقول لأن الجمع بين حجتين أو عمرتين بإسقاط قوله إحرامين، لما علمت من أن اللازم من الإحرام بعمرة هو الجمع بين عمرتين أفعالا لا إحراما إذا لم ينقلب إحرام الحج إحرام عمرة‏.‏ والثاني‏:‏ أن قوله غير مشروع مخالف لما مشى عليه أولا من أن الجمع بين إحرامي العمرتين مكروه دون الحجتين في ظاهر الرواية، فإن غير المشروع ما نهى الشارع عن فعله أو تركه ومن جملته المكروه، والمشروع بخلافه فلا يتناول المكروه كما في القهستاني على الكيدانية‏.‏ قلت‏:‏ ويمكن الجواب عن الأول بأن قوله أو لعمرتين معطوف على الظرف المتعلق بالجمع فيتعلق به أيضا لا بإحرامين بقرينة إعادته حرف الجر‏.‏ وعن الثاني بأنه مشى على الرواية الثانية، وقد علمت ترجيحها أيضا فلا مانع منه فافهم ‏(‏قوله وبعده‏)‏ أي بعد التحلل بأفعال العمرة ‏(‏قوله للرفض‏)‏ أي رفض ما أحرم به ثانيا وهو علة للتحلل، وفي بعض النسخ بالرفض وفيه قلب لأن الرفض المطلوب منه يكون بالتحلل‏:‏ أي بالحلق، أو بفعل شيء من المحظورات مع النية كما مر، فالأولى عبارة البحر وغيره، وهي للرفض بالتحلل قبل أوانه فافهم والله سبحانه أعلم‏.‏

باب الإحصار

لما كان التحلل بالإحصار نوع جناية بدليل أن ما يلزمه ليس له أن يأكل منه ذكره عقب الجنايات، وأخره لأن مبناه على الاضطرار وتلك على الاختيار نهر ‏(‏قوله لغة المنع‏)‏ أي بخوف أو مرض أو عجز أما لو منعه عدو بحبس في سجن أو مدينة فهو حصر كما في الكشاف وغيره‏.‏ وفي المغرب أن هذا هو المشهور، وتمامه في شرح ابن كمال ‏(‏قوله وشرعا منع عن ركنين‏)‏ هما الوقوف والطواف في الحج، لكن سيأتي أن العمرة يتحقق فيها الإحصار، ولها ركن واحد وهو الوقوف‏.‏ وفي بعض النسخ عن ركن بالإفراد، والمراد به الماهية‏:‏ أي عما هو ركن النسك متعددا أو متحدا تأمل ‏(‏قوله بعدو‏)‏ أي آدمي أو سبع ‏(‏قوله أو مرض‏)‏ أي يزداد بالذهاب ‏(‏قوله أو موت محرم‏)‏ أراد به من لا تحرم خلوته بالمرأة فيشمل زوجها، وكموتهما عدمهما ابتداء؛ فلو أحرمت وليس لها محرم ولا زوج فهي محصرة كما في اللباب والبحر، ثم هذا إذا كان بينها وبين مكة مسيرة سفر وبلدها أقل منه أو أكثر، لكن يمكنها المقام في موضعها وإلا فلا إحصار فيما يظهر ‏(‏قوله أو هلاك نفقة‏)‏ فإن سرقت نفقته، إن قدر على المشي فليس بمحصر وإلا فمحصر، وإن قدر عليه للحال إلا أنه يخاف العجز في بعض الطريق جاز له التحلل لباب، وظاهر كلامهم هذا أن المراد بالنفقة ما يشمل الراحلة تأمل‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

زاد في اللباب‏:‏ مما يكون به محصرا أمور أخر‏.‏ منها العدة، فلو أهلت بالحج فطلقها زوجها ولزمتها العدة صارت محصرة ولو مقيمة أو مسافرة معها محرم‏.‏ ومنها لو ضل عن الطريق لكن إن وجد من يبعث الهدي معه فذلك الرجل يهديه إلى الطريق وإلا فلا يمكنه التحلل لعجزه عن تبليغ الهدي محله‏.‏ قال في الفتح‏:‏ فهو كالمحصر الذي لم يقدر على الهدي‏.‏ ومنها منع الزوج زوجته إذا أحرمت بنفل بلا إذنه، أو المولى مملوكه عبدا كان أو أمة، فلو بإذنه أو أحرمت بفرض فغير محصرة لو لها محرم، أو خرج الزوج معها، وليس له منعها وتحليلها، وهذا لو إحرامها بالفرض في أشهر الحج أو قبلها في وقت خروج أهل بلدها أو قبله بأيام يسيرة، وإلا فله منعها‏.‏ وأما المملوك فيكره لمولاه منعه بعد الإحرام بإذنه وهو محصر، وليس لزوج الأمة منعها بعد إذن المولى‏.‏ واعلم أن كل من منع عن المضي في موجب الإحرام لحق العبد فإنه يتحلل بغير الهدي، فإذا أحرمت المرأة أو العبد بلا إذن الزوج أو المولى فلهما أن يحللاهما في الحال كما سيأتي بيانه آخر الحج، ولا يتوقف على ذبح، وعلى المرأة أن تبعث الهدي أو ثمنه إلى الحرم، وعليها إن كان إحرامها بحج حج وعمرة، وإن بعمرة فعمرة؛ بخلاف ما لو مات زوجها أو محرمها في الطريق فلا تتحلل إلا بالهدي، ولعل الفرق أن إحصارها حقيقي والأولى حكمي؛ وعلى العبد هدي الإحصار بعد العتق وحجة وعمرة‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا من اللباب وشرحه ‏(‏قوله حل له التحلل‏)‏ أفاد أنه رخصة في حقه حتى لا يمتد إحرامه فيشق عليه وأن له أن يبقى محرما كما يأتي ‏(‏قوله بعث المفرد‏)‏ أي بالحج أو العمرة إلى الحرم قهستاني ‏(‏قوله دما‏)‏ سيأتي بيانه في باب الهدي، فلو بعث دمين تحلل بأولهما لأن الثاني تطوع كما في الينابيع قهستاني ‏(‏قوله أو قيمته‏)‏ أي يشترى بها شاة هناك وتذبح عنه هداية، وفيه إيماء إلى أنه لا يجوز التصدق بتلك القيمة شرح اللباب ‏(‏قوله فإن لم يجد بقي محرما‏)‏ فلا يتحلل عندنا إلا بالدم نهاية، ولا يقوم الصوم والإطعام مقامه بحر، ولا يفيد اشتراط الإحلال عند الإحرام شيئا لباب‏.‏ قال شارحه‏:‏ هذا هو المسطور في كتب المذهب ونقل الكرماني والسروجي عن محمد أنه إن اشترط الإحلال عند الإحرام إذا أحصر جاز له التحلل بغير هدي ‏(‏قوله أو يتحلل بطواف‏)‏ أي ويسعى ويحلق بحر عن الخانية، وهذا إن قدر على الوصول إلى مكة، فإن عجز عنه وعن الهدي يبقى محرما أبدا قال في الفتح‏:‏ هذا هو المذهب المعروف‏.‏ ‏(‏قوله وعن الثاني‏)‏ رده في الفتح بأنه مخالف للنص ‏(‏قوله والقارن دمين‏)‏ فيه إشارة إلى أنه لا يتحلل إلا بذبح الثاني وأنه لا يشترط تعيين أحدهما للحج والآخر للعمرة قهستاني وكالقارن من جمع بين حجتين أو عمرتين فأحصر قبل السير إلى مكة، فلو بعده يلزمه دم واحد لباب لأنه يصير رافضا لأحدهما بحر ‏(‏قوله فلو بعث واحدا إلخ‏)‏ عبارة الهداية‏:‏ فإن بعث بهدي واحد ليتحلل عن الحج ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما لأن التحلل منهما شرع في حالة واحدة‏.‏ ا هـ‏.‏ زاد في اللباب‏:‏ ولو بعث ثمن هديين فلم يوجد بذلك القدر بمكة إلا هدي واحد فذبح لم يتحلل عن الإحرامين ولا عن أحدهما ‏(‏قوله وعين يوم الذبح‏)‏ لا بد أيضا من تعيين وقته من ذلك اليوم إذا أراد التحلل فيه لئلا يقع قبل الذبح، فإذا عين وقت الزوال مثلا يتحلل بعده، وإلا احتمل أن يكون الذبح وقت العصر والتحلل قبله ‏(‏قوله خلافا لهما‏)‏ حيث قالا إنه لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر، ويجوز للمحصر بالعمرة متى شاء هداية فعلى قولهما لا حاجة إلى المواعدة في الحج لتعين يوم النحر وقتا له إلا إذا كان بعد أيام النحر فيحتاج إليها عند الكل كما في المحصر بالعمرة أفاده في شرح اللباب‏.‏ قال في البحر‏:‏ وفيه نظر لأنه مؤقت عندهما بأيام النحر لا باليوم الأول فيحتاج إلى المواعدة لتعيين اليوم الأول أو الثاني أو الثالث‏.‏ وقد يقال‏:‏ يمكنه الصبر إلى مضي الثلاثة فلا يحتاج إليها‏.‏ ا هـ‏.‏ قوله الخوف‏)‏ المراد به المانع خوفا أو غيره ‏(‏قوله وإلا‏)‏ بأن فاته الحج بفوت الوقوف ط وهذا لو محصرا بالحج، فلو بالعمرة زال إحصاره بقدرته عليها ‏(‏قوله لأن التحلل‏)‏ علة لقوله جاز ‏(‏قوله فيشق‏)‏ بالنصب في جواب النفي ط وهو من باب نصر فالشين مضمومة ‏(‏قوله وبذبحه يحل‏)‏ في اللباب‏:‏ ولا يخرج من الإحرام بمجرد الذبح حتى يتحلل بفعل‏.‏ ا هـ‏.‏ أي من محظورات الإحرام ولو بغير حلق قاري‏.‏ قلت‏:‏ وهذا مخالف لكلام المصنف وغيره مع أنه لا تظهر له ثمرة تأمل‏.‏ وأفاد أنه لو سرق بعد ذبحه لا شيء عليه، وإن لم يسرق تصدق به ويضمن الوكيل قيمة ما أكل منه لو غنيا ويتصدق بها على الفقراء كما في اللباب ‏(‏قوله ولو بلا حلق وتقصير‏)‏ لكن لو فعله كان حسنا وهذا عندهما‏.‏ وعن الثاني روايتان‏:‏ في رواية يجب أحدهما، وإن لم يفعل فعليه دم‏.‏ وفي رواية ينبغي أن يفعل وإلا فلا شيء عليه و هو ظاهر الرواية، كذا في الحقائق عن مبسوط خواهر زاده وجامع المحبوبي‏.‏ فلا خلاف على ظاهر الرواية‏.‏ وفي السراج‏:‏ وهذا الخلاف إذا أحصر في الحل، أما في الحرم فالحلق واجب‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في الشرنبلالية‏.‏ كذا جزم به في الجوهرة والكافي، وحكاه البرجندي عن المصفى بقيل فقال‏:‏ وقيل إنما لا يجب الحلق على قولهما إذا كان الإحصار في غير الحرم، أما فيه فعليه الحلق ‏(‏قوله هذا‏)‏ أي ما أفاده قوله وبذبحه يحل من أنه لا يحل قبل الذبح ‏(‏قوله ففعل كالحلال‏)‏ أي كما يفعل الحلال من حلق وطيب ونحو ذلك ‏(‏قوله أو ذبح في حل‏)‏ محترز قول المصنف في الحرم ط ‏(‏قوله لزمه جزاء ما جنى‏)‏ ويتعدد بتعدد الجنايات ط‏.‏ قلت‏:‏ ولم أر من صرح بذلك‏.‏ نعم هو ظاهر كلامهم‏.‏ ولينظر الفرق بينه وبين ما مر من أن المحرم لو نوى الرفض ففعل كالحلال على ظن خروجه من الإحرام بذلك لزمه دم واحد لجميع ما ارتكب لاستناد الكل إلى قضاء واحد وعللوا ذلك بأن التأويل الفاسد معتبر في دفع الضمانات الدنيوية كالباغي إذا أتلف مال العادل أو قتله ولا يخفى استناد الكل هنا إلى قصد واحد أيضا‏.‏ ولذا قال بعض محشي الزيلعي‏:‏ ينبغي عدم التعدد هنا أيضا ‏(‏قوله ويجب‏)‏ أي يلزم، فيشمل الفرض القطعي‏.‏ كما لو أحصر عن حجة الفرض‏.‏ والواجب الاصطلاحي كما لو أحصر عن النفل أفاده ط ‏(‏قوله ولو نفلا‏)‏ أفاد شمول وجوب القضاء للفرض والنفل والمظنون والمفسد والحج عن الغير والحر والعبد، إلا أن وجوب أداء القضاء على العبد يتأخر إلى ما بعد العتق لباب‏.‏ والمظنون‏:‏ هو ما لو أحرم على ظن أن عليه الحج ثم ظهر عدمه فأحصر وصرح البزدوي وصاحب الكشف أنه لا قضاء عليه، لكن صرح السروجي في الغاية بأن الأصح وجوبه كما لو أفسده بلا إحصار أفاده القاري ‏(‏قوله بالشروع‏)‏ أي بسبب شروعه فيها‏.‏ وفيه أن هذا إنما يظهر في النفل‏.‏ أما الفرض فهو واجب القضاء بالأمر لا بالمشروع تأمل ‏(‏قوله للتحلل‏)‏ لأنه في معنى فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة‏.‏ فإذا لم يأت بها قضاها نهر‏.‏ والحاصل أن المحرم بالحج يلزمه الحج ابتداء، وعند العجز تلزمه العمرة، فإذا لم يأت بهما يلزمه قضاؤهما كما لو أحرم بهما كما في جامع قاضي خان ‏(‏قوله إن لم يحج من عامه‏)‏ أما لو حج منه لم يجب معها عمرة لأنه لا يكون كفائت الحج فتح‏.‏ وأيضا إنما تجب عمرة مع الحج إذا حل بالذبح‏.‏ أما إذا حل بأفعال العمرة فلا عمرة عليه في القضاء شرح اللباب‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

إذا قضى الحج والعمرة إن شاء قضاهما بقران أو إفراد‏.‏ واعلم أن نية القضاء إنما تلزم إذا تحولت السنة اتفاقا لو إحصاره بحج نفل، فلو بحجة الإسلام فلا لأنها قد بقيت عليه حين لم يؤدها فينويها من قابل فتح ‏(‏قوله وعلى المعتمر عمرة‏)‏ أي على المعتمر إذا أحصر قضاء عمرة، وهذا فرع تحقق الإحصار عنها‏.‏ ومن فروع المسألة ما لو أهل بنسك مبهم، فإن أحصر قبل التعيين كان عليه أن يبعث بهدي واحد ويقضي عمرة استحسانا، وفي القياس حجة وعمرة وتمامه في النهر ‏(‏قوله وعلى القارن حجة وعمرتان‏)‏ ويتخير في القضاء بين الإفراد والقران كما صرحوا به، وحققه في البحر، فيفرد كلا من الثلاثة أو يجمع بين حجة وعمرة ثم يأتي بعمرة كما في شرح اللباب‏.‏ ‏(‏قوله إحداهما للتحلل‏)‏ يشير إلى أن لزوم العمرتين فيما إذا لم يحج من عام الإحصار، إذ لو حج من عامه بأن زال الإحصار بعد الذبح وقدر على تجديد الإحرام والأداء ففعل كان عليه عمرة القران فقط كما في الفتح لأنه لا يكون كفائت الحج، فلا تلزمه عمرة التحلل كما مر في المفرد‏.‏ قلت‏:‏ ومثله لو حل بأفعال العمرة كما يفهم مما مر‏.‏

‏(‏قوله توجه وجوبا‏)‏ أي ليؤدي الحج لقدرته على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل نهر‏.‏ ويفعل بهديه ما شاء‏:‏ أي من بيع أو هبة أو صدقة ونحو ذلك شرح اللباب ‏(‏قوله وإلا يقدر عليهما‏)‏ أي على مجموعهما، بأن لم يقدر على واحد منهما أو قدر على الهدي فقط أو الحج فقط ‏(‏قوله لا يلزمه التوجه‏)‏ أما إذا لم يقدر عليهما أو قدر على الهدي فقط فظاهر، لكنه لو توجه ليتحلل بأفعال العمرة جاز لأنه هو الأصل في التحلل، وفيه سقوط العمرة عنه‏.‏ وأما إذا قدر على الحج دون الهدي، فجواز التحلل قول الإمام، وهو الاستحسان لأنه لو لم يتحلل لضاع ماله مجانا، وحرمة المال كحرمة النفس، إلا أن الأفضل أن يتوجه، وتمامه في النهر‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

لا يتصور في حق المعتمر فقط عدم إدراك العمرة لأن وقتها جميع العمر فلها من الأربع صورتان فقط‏:‏ أن يدرك الهدي والعمرة، أو يدرك العمرة فقط وقد علم حكمهما، أفاده الرحمتي، ونحوه في اللباب‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

لو بعث الهدي ثم زال إحصاره وحدث إحصار آخر، فإن علم أنه يدرك الهدي ونوى به إحصاره الثاني جاز وحل به، وإن لم ينو لم يجز، ولو بعث هديا لجزاء صيد ثم أحصر ونوى أن يكون لإحصاره جاز، وعليه إقامة غيره مقامه لباب‏.‏

قوله ولا إحصار بعد ما وقف بعرفة‏)‏ فلو وقف بعرفة ثم عرض له مانع لا يتحلل بالهدي بل يبقى محرما في حق كل شيء إن لم يحلق‏:‏ أي بعد دخول وقته، وإن حلق فهو محرم في حق النساء لا غير إلى أن يطوف للزيارة، فإن منع حتى مضت أيام النحر فعليه أربعة دماء‏:‏ لترك الوقوف بمزدلفة والرمي، وتأخير الطواف، وتأخير الحلق كما في اللباب والزيلعي وغيرهما‏.‏

مطلب كافي الحاكم

هو جمع كلام محمد في كتبه الستة كتب ظاهر الرواية‏.‏ ونقله في البحر عن كافي الحاكم الذي هو جمع كلام محمد في كتبه الستة التي هي ظاهر الرواية‏.‏ ثم استشكله في البحر بأن واجب الحج إذا ترك لعذر لا شيء فيه، حتى لو ترك الوقوف بمزدلفة خوف الزحام لا شيء عليه كالحائض تترك طواف الصدر‏.‏ ولا شك أن الإحصار عذر‏.‏ ثم أجاب بحمل ما هنا على الإحصار بالعدو لا مطلقا فإنه إذا كان بالمرض فهو سماوي يكون عذرا في ترك الواجبات، بخلاف ما كان من قبل العبد فإنه لا يسقط حق الله تعالى كما في التيمم ا هـ‏.‏ ونقله في النهر، وبه جزم المقدسي في شرح نظم الكنز، وذكر مثله في جنايات شرح اللباب‏.‏ قلت‏:‏ ولا ترد مسألة ترك الوقوف لخوف الزحام لما مر في التيمم أن الخوف إن لم ينشأ بسبب وعيد العبد فهو سماوي ‏(‏قوله للأمن من الفوات‏)‏ فيه أن المعتمر كذلك لأن العمرة لا تتوقف مع تحقق الإحصار فيها‏.‏ وأجيب بأن المعتمر يلزمه ضرر بامتداد الإحرام فوق ما التزمه، ولا يمكنه أن يتحلل بالحلق في يوم النحر فله الفسخ‏.‏ أما الحاج فيمكنه ذلك فلا حاجة إلى التحلل بالهدي من غير عذر، أفاده الزيلعي، لكن قيل ليس له أن يحلق في مكانه في الحل بل يؤخره إلى ما بعد طواف الزيارة، وقيل له ذلك‏.‏ وفي غاية البيان عن العتابي أنه الأظهر ‏(‏قوله على الأصح‏)‏ مقابله ما روي عن الإمام من أنه لا إحصار في مكة اليوم لأنها دار إسلام ‏(‏قوله والقادر على أحدهما إلخ‏)‏ تصريح بمفهوم قوله والممنوع بمكة عن الركنين محصر، وذكره بعد قوله ولا إحصار بعد ما وقف بعرفة من قبيل ذكر الأعم بعد الأخص فليس بتكرار محض ‏(‏قوله فلتمام حجه به‏)‏ قالوا المأمور بالحج إذا مات بعد الوقوف بعرفة قبل طواف الزيارة يكون مجزئا بحر وقدمنا الكلام فيه أول كتاب الحج ‏(‏قوله وأما على الطواف‏)‏ سماه أحد ركني الحج باعتبار الصورة، وإلا فالطواف الركن هو ما يقع بعد الوقوف ولا وقوف هنا أفاده ط ‏(‏قوله فلتحلله به‏)‏ لأن فائت الحج يتحلل به والدم بدل عنه في التحلل، فلا حاجة إلى الهدي زيلعي‏.‏ وفي شرح اللباب أنه يكون في معنى فائت الحج فيتحلل عن إحرامه بعد فوت الوقوف بأفعال العمرة، ولا دم عليه ولا عمرة في القضاء ا هـ‏.‏ فالاقتصار على ذكر الطواف لأنه ركن العمرة وإلا فلا يحصل التحلل بمجرد الطواف بل لا بد معه من السعي والحلق، وإليه أشار بقوله كما مر أي في قول المصنف وإلا تحلل بالعمرة، وكذا مر قبل باب القران في قوله ومن لم يقف فيها فات حجه فطاف وسعى وتحلل وقضى من قابل، وتقدم الكلام عليه هناك‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

أسقط المصنف من هنا باب الفوات المذكور في الكنز وغيره اكتفاء بما ذكره قبل باب القران، وقد علم أن الأسباب الموجبة لقضاء الحج أربعة‏:‏ الفوات‏.‏ والإحصار عن الوقوف، والفرق بينهما في كيفية التحلل‏.‏ والثالث الإفساد بالجماع وإن لزمه المضي في فاسده‏.‏ والرابع الرفض، وفروعه مذكورة في الباب السابق والله تعالى أعلم‏.‏